د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):

الفكاهة السوداء في اليمن

في الأدب الحديث تولد عندنا مفهوم الفكاهة السوداء ليدل على ذلك الأداء الإبداعي الذي يصنع من البكاء ضحكاً، أو يؤدي البكاء في صورة الضحك؛ فالفكاهة السوداء كفاية اجتماعية تمثل كيفية تعبير الإنسان عن مشاعره، فهي مركب من القبول والرفض لهذا العالم الذي يستجيب فيه كل إنسان وفقاً لسجله العاطفي الإيجابي والسلبي، ضمن بنية لغوية متماسكة تفرز السخرية والمرارة.
وهي اللغة التي تشرح الوجع بشكل خفي، وتحلل أعمق المواضيع بصورة رمزية، لكن ما نجده متداولا اليوم بوصفه كوميديا هو ليس سوى فن ساذج يريد تغيير معنى الكوميديا الحقيقي، هو التعدي على الآخر بصورة مستفزة وغير مقبولة، ونستطيع أن نرمز لهذا النوع من السخرية بأنه «الاستهزاء»، وليس هذا من الفن في شيء سوى أنه لون من ألوان الضحك..يقول الدكتور غازي القصيبي «اعلموا أيها القراء الكرام أن السخرية ثلاثة أنواع: السخرية من الذات وهي سخرية المتواضع، وسخرية من الأقوياء وهي سخرية الشجعان، والسخرية من الضعفاء وهي سخرية الأنذال.
وقد تطورت النكتة بحسب تطور الوسائل المستخدمة فى ترويجها ونشرها، وأخطرها كان المستوى الذي بلغته في استخدام (النت) أو شبكة المعلومات العنكبوتية، بعد أن تحولت إلى فضاء يزخر بعمليات الدعاية السوداء التي تستخدم النكتة وفى أمور تتعلق بالظروف الضاغطة التى نمر بها، وأتذكر مقولة لعبد الرحمن ابن خلدون، الرائد التاريخي لعلم الاجتماع السياسي:
(إذا رأيت الناس تكثر الكلام المضحك وقت الكوارث فاعلم أن الفقر قد أقبع عليهم, وهم قوم بهم غفلة واستعباد ومهانة كمن يساق للموت وهو مخمور)

شر البلية ما يضحك"
ولاشك أن الضحك هنا هو بديل موضوعي وسلوكي عن البكاء، ومن يلجأ إليه أو يتبناه إنما ينحاز إلى الانتصار على أحزانه بدل الاستسلام لها، وهذه فلسفة عميقة تمثل عظمة الإنسان في التعالي والتسامي على ألمه وان كان يرقص مذبوحاً من الألم، وما أصدق الشاعر عندما قال:
لا تحسبوا رقصي بينكم طرباً فالطير يرقص مذبوحاً من الألم
يا ويح أهلي أبلى بين أعينهم على الفراش ولا يدرون ما دائي

صنعاء تقاوم:
أصبحت النكتة الساخرة سلاح اليمنيين لحماية هوينهم من الثقافة الحوثية الطائفية

للحفاظ على هويتها من بطش الحوثيين الثقافي بطريقتها، وبالنكتة
في الأماكن العامة، وفي الأسواق، في وسائل المواصلات، في طوابير الغاز من خلال كل هذا لا يتوقف اليمنيون في صنعاء عن رفضهم الناعم للميليشيات الحوثية.

ويتجلى هذا الرفض الذي يعبر عن روح المجتمع وثقافته التي اكتسبها خلال عقود، من خلال، أساليب التهكم من أفعال الميليشيا وتصرفاتها، وتحويل المفردات الحوثية والألقاب والمصطلحات التي تحاول الجماعة فرضها على المجتمع إلى مادة للتندر والسخرية اللاذعة.
وباتت مفردة «مشرف» لدى سكان صنعاء والمناطق التي تسيطر عليها الجماعة، حين يتم إطلاقها في السياق العام، معادلا موضوعيا لمعاني الثراء واللصوصية والسطو على الممتلكات العامة والخاصة.!!.

من ضمن الطُرَف المتداولة تلك التي تحكي عن شخص فقير حصل صدفة على «مصباح علاء الدين» وقام بفركه ليظهر له المارد ليسأله عن الأمنية التي يريد تحقيقها، فيرد عليه من فوره، طالبا أن يجعله مشرفا حوثيا.

ثم بعد مدة وجيزة من تحقيق أمنيته، يفرك الرجل الذي بات قادرا على تحقيق أي شيء بجاهه ونفوذه وماله، المصباح ليظهر له المارد، ليبادره هو هذه المرة بالقول «شبيك لبيك.. المشرف الحوثي بين يديك اطلب أمنيتك أيها المارد؟.

روح التهكم التي يقاوم بها اليمنيون سطوة ميليشيا الحوثي، امتدت إلى التندر من «الكنى» حيث صار من الشائع أن تسمع أطفالا ورجالا في الشارع ينادون بعضهم على سبيل الدعابة الساخرة يا «أبو ملعقة»، يا «أبو عودي» (أصناف من الحلوى الرخيصة التي يشتريها الصغار!!).

وبالمثل كان تعامل الشارع الشعبي في صنعاء مع وصفه بـ«ولي الله» الذي يطلقه أنصار الجماعة على بعضهم البعض، في سياق الثقافة التي يحاولون فيها استغلال الدين لخلق هالة من القدسية عليهم، إذ باتت هذه الصفة هي الأخرى في التداول اليومي دالة على معاني «الهمجية والقتل واللصوصية».

يقول ضابط رفيع برتبة عميد ، «حضر الكثيرون من الضباط وعناصر الداخلية السابقين إلى الدورات التثقيفية الحوثية، وهدفهم لم يكن سوى الحصول على المكافأة المالية المجزية التي تمنحها الميليشيا في نهاية الدورة التي قد تمتد من ثلاثة إلى عشرة أيام في أحد الأماكن السرية». ويقول الضابط: «المحاضرون الحوثيون في هذه الدورات جهلة وأميون، وعلى رغم رفعهم للشعارات الدينية الطائفية، فإنهم عندما يحضر وقت الصلاة لا يصلون، ويركزون فقط على خطب الحوثي وملازم أخيه حسين مؤسس الجماعة، في حين تخيم على أيام الدورة لدى أغلب المشاركين روح السخرية والتندر من القائمين عليها!!».

د. علوي عمر بن فريد