فاروق يوسف يكتب:
القليل الجميل
هي ناقدة فن من طراز خاص. تفكر في الفن بطريقة مختلفة تضعها في منزلة خاصة. لقد اختطفتها السياسة في سن مبكرة فصارت ترى العالم كما لو أنه صرخة مونخ وقد تم توزيعها بين أفواه مختلفة. الناقدة والأكاديمية اللبنانية رويدا الرافعي هي ابنة جيل يقاوم الفوضى بالمعرفة المتأنية.
هناك الكثير من الكلام الذي صار عليها أن تصفيه لتنتفي منه العبارات التي تقدمها إلى العالم. إنها تطمح إلى أن تقول الكلام القريب مما يجري من حولها بحذر معلنة عن أن ردة الفعل لا تكفي لتخلق فنا. تنصت وترى غير أنها تفحص وتحلل العلامات باعتبارها مقدمات وليست نتائج. يثيرها فن الشارع ويدفعها إلى مناطق نقدية غير مأهولة.
هناك دائما ما لا نعرفه وما لم نتعرف عليه. يخيل إليّ أن الرافعي تفكر بما يمكن أن يُشكل مصدرا لإحياء الفن الذي صار مُلكا للنخب والصالات المغلقة. إنها تسعى إلى تحرير الفن من سيطرة النظريات الجاهزة. هي ابنة حياة تشكّلت على إيقاع حرب أهلية، لن يكون في الإمكان نسيانها. “لم يتأخر الوقت بعد” تلك رسالتها إلى العالم. فهي ترسم أيضا. تلك صدمة. ألأنني رغبت فيها ناقدة؟
أنا أعتقد أن الجمع بين النقد الفني والممارسة الفنية أمر مستحيل. للناقد مزاج يختلف عن مزاج الفنان ولا يمكن الجمع بين المزاجين. كل واحد منهما يفكر في الفن بطريقة تختلف عن طريقة تفكير الآخر. يتكاملان، لكن عن طريق اختلافهما. كان النقاد الذين يمارسون الرسم رسامين سيئين.
غير أن رسوم رويدا لها تأثير خاص. لدى الرسامة كما لدى الناقدة فكرة عن الفن يمكن أن تحررنا من طريقتنا السائدة في التفكير في الفن. فكرة لا تستسلم للبديهيات بل تصارعها أو تضعها وراءها. ستنصت طويلا من أجل أن يكون النقد ممكنا. ليست مسالمة ولكنها تفضل الحوار قبل أن تعلن رفضها أو قبولها. أعرف أنها لا تقبل إلا بالقليل. غير أنه القليل الجميل.