الحبيب الأسود يكتب:

العشماوي في القاهرة.. تأكيد قوة التحالف بين مصر والجيش الليبي

اللقاء الذي جمع أول أمس الثلاثاء بين القائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر ورئيس جهاز المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل، انتهى بالإعلان عن تسليم الإرهابي هشام العشماوي (أبومهند) إلى مصر، في موقف أكد عمق العلاقات بين الطرفين، وهي علاقات إستراتيجية بالدرجة الأولى، من أبرز أولوياتها العمل على استئصال الإرهاب من جذوره في المنطقة.

أهمية هذا الحدث تعود إلى خزينة المعلومات التي يمتلكها هشام العشماوي، من خلال تعدد مساراته في مجال الإرهاب، وتنوع علاقاته في الداخل والخارج، وكذلك من خلال العمليات الإرهابية النوعية التي نفذها، أو أشرف عليها أو شارك في إعدادها في ظل الحرب التي أعلنت على مصر وشعبها وجيشها بعد الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين على إثر ثورة 30 يونيو عام 2013.

والأهمية تعود كذلك إلى المؤشرات التي تطرحها عملية التسليم حول طبيعة التنسيق بين مصر الدولة والجيش الوطني الليبي، في انتظار تحرير طرابلس من سلطة الميليشيات ونفوذ الجماعات الإرهابية وعودتها إلى حضن الدولة الليبية، بما يجعلها تستعيد موقعها كدولة أساسية في المنطقة، قادرة على الإيفاء بكامل التزاماتها مع جيرانها وعموم المجموعة الدولية.

في أكتوبر عام 2018 أعلنت القوات المسلحة الليبية أنها تمكنت في عملية نوعية من إلقاء القبض على الإرهابي المصري الهارب هشام العشماوي، أمير تنظيم القاعدة في حي المغار بمدينة درنة، إلى جانب القبض على زوجة الإرهابي عمر رفاعي سرور، شريك العشماوي في تأسيس تنظيم “المرابطون” الموالي لتنظيم القاعدة داخل ليبيا، وأكدت أن العشماوي كان يرتدي حزاما ناسفا، وأنه حاول تفجير نفسه لكنه فشل في ذلك بسبب عنصر المفاجأة وسرعة تنفيذ العملية من قبل أفراد القوات المسلحة.

يواجه العشماوي أكثر من حكم بالإعدام، وسيدفع ثمن جرائمه الإرهابية، لكن ما يلفت الانتباه هو إصرار مصر على ملاحقة كل من تورط في سفك دم أبنائها

ولد العشماوي في عام 1978، بحي مدينة نصر شمال العاصمة المصرية القاهرة، والتحق بالكلية الحربية عام 1996، وتخرج منها عام 2000 ثم انضم في بداية حياته العسكرية إلى سلاح المشاة، ثم انضم إلى سلاح “الصاعقة”، وخلال عمله داخل صفوف الجيش المصري لوحظ تحول كبير في شخصيته، إلى أن وقعت مشادة كلامية بينه وبين خطيب مسجد في أحد معسكرات الجيش بعد أن أخطأ الخطيب دون قصد في ترتيل القرآن، فوضعته هيئة الاستخبارات الحربية تحت الملاحظة وجرى التحقيق معه على خلفية ذلك.

وبسبب محاولاته نشر أفكاره المتشددة بين زملائه وجنوده، تم نقله إلى أعمال إدارية، وفي العام 2006 تم التحقيق معه بعد نشره عبارات تحريضية ضد الجيش المصري وتمت إحالته في عام 2007 إلى المحاكمة العسكرية.

وفي عام 2011 صدر ضده حكم بإنهاء خدمته العسكرية، وفي عام 2012 شكل خلية إرهابية مع 4 ضباط تم فصلهم أيضا من الخدمة، كما عمل على تجنيد عشرات التكفيريين لخليته الإرهابية، والذين انضم بهم في عام 2012 إلى جماعة “أنصار بيت المقدس” الإرهابية في شمال شبه جزيرة سيناء بعد عام واحد من اندلاع أعمال الفوضى عقب ثورة يناير 2011، وكان التحاقه بالجماعة المتطرفة بداية سلسلة جرائم دموية ارتكبها خلال السنوات الـسبع الماضية.

شن العشماوي بعد ذلك العديد من العمليات الإرهابية الكبيرة داخل مصر، أبرزها محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم في عام 2013، والقضية المعروفة إعلاميًا بـ”عرب شركس”، ومذبحة كمين الفرافرة التي تم تنفيذها في الـ21 من شهر رمضان 2014 وأدت إلى استشهاد 21 فردا من قوات حرس الحدود عند النقطة الكيلومترية 100 الواقعة بمدينة الفرافرة على حدود الوادي الجديد غربي البلاد، واغتيال النائب العام المصري هشام بركات في عام 2015، وصولا إلى الهجوم على دورية أمنية في منطقة الواحات بالصحراء الغربية في أكتوبر 2017. وهو الحادث الذي ذهب ضحيته 16 شهيدا.

بهذا السجل وغيره، يمكن اعتبار العشماوي أخطر إرهابي عرفته مصر خلال العقدين الماضيين، لذلك كان نقله من بنغازي إلى القاهرة حدثا مهما تم الإعداد له منذ أشهر.

وفي آخر لقاء بين الرئيس عبدالفتاح السيسي والمشير خليفة حفتر تم الاتفاق النهائي على التسليم والاستلام، وأرسلت مصر رئيس جهاز المخابرات العامة إلى شرق ليبيا لتقديم الشكر للمشير حفتر، وطائرة خاصة كانت تقل عددا من عناصر القوات الخاصة لتأمين المهمة، وفي مطار القاهرة كان الاستعداد كبيرا لتسلم العشماوي، سواء من خلال الحضور اللافت لقوة مكافحة الإرهاب، أو من خلال النقل التلفزيوني المباشر الذي وضع الحدث في إطاره، ثم من خلال تدوينة الرئيس عبدالفتاح السيسي التي قال فيها “هؤلاء الأبطال لا يخافون في الحق لومة لائم، وقد أقسموا على حفظ الوطن وسلامة أراضيه. تحيةً وسلامًا على مَن كان الدرع وقت الدفاع وكان السيف وقت الهجوم”.

وفي نوفمبر 2018 عندما كان الإرهابي الخطير في قبضة الجيش الليبي، أودعت المحكمة العسكرية للجنايات بالقاهرة حيثيات حكمها في القضية المعروفة إعلاميا بـ”أنصار بيت المقدس 3” والتي قضت فيها بإعدام 11 متهما من بينهم العشماوي، ومعاقبة 9 متهمين حضوريا بالأشغال الشاقة المؤبدة، لاتهامهم في العشرات من وقائع القتل والشروع فيه وتفجير وتخريب عدد من الممتلكات العامة والخاصة ومن بينها القنصلية الإيطالية بالقاهرة.

أهمية الحدث تعود إلى خزينة المعلومات التي يمتلكها هشام العشماوي، من خلال تعدد مساراته في مجال الإرهاب، وتنوع علاقاته في الداخل والخارج، وكذلك من خلال العمليات الإرهابية النوعية التي نفذها

وقالت المحكمة في حيثياتها إن العشماوي تولى بمعاونة بقية المتهمين تأسيس وإدارة خلايا بيت المقدس خارج نطاق سيناء، التي تدعو إلى تكفير الحاكم وشرعية الخروج عليه وتغيير نظام الحكم بالقوة والاعتداء على القضاة وأفراد القوات المسلحة والشرطة ومنشآتهما واستباحة دماء المسيحيين واستحلال أموالهم وممتلكاتهم ودور عباداتهم واستهداف المنشآت العامة والأجنبية بهدف الإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر.

وأشار الحكم إلى أن العشماوي تولى استقطاب عدد من المتهمين بالقضية وتطوير مهاراتهم العسكرية عن طريق تأهيلهم عسكريا وبدنيا، وإمدادهم وآخرين بمعونات مادية ومالية وأسلحة وذخائر ومفرقعات ومهمات وآلات ومعلومات، للدفع بهم لاحقا ليكونوا جاهزين لتنفيذ مخططات إجرامية داخل البلاد، كما أنه اتهم، مع آخرين، بحيازة مفرقعات وأسلحة نارية هي عبارة عن مسدسات وبنادق بقصد استعمالها في نشاط يخل بالأمن والنظام العام، وبقصد المساس بمبادئ الدستور وبالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي.

يواجه العشماوي أكثر من حكم بالإعدام، وسيدفع ثمن جرائمه الإرهابية، لكن ما يلفت الانتباه هو إصرار مصر على ملاحقة كل من تورط في سفك دم أبنائها، مهما كان الموقع الذي يتحرك فيه، وهذا في حد ذاته يحسب لها، في الوقت الذي تتساهل فيه دول وجهات أخرى مع الإرهاب والإرهابيين، أو تقدم لهم الدعم عندما يكونون في مهمات لضرب من يرون فيه خصما سياسيا أو فكريا أو عقائديا.

منذ صباح الثلاثاء، تحول هشام العشماوي إلى مصدر مهم للمعلومات بين أيدي السلطات المصرية، وبالتأكيد سيدلي بكل ما لديه، لأن كل مشاريعه الشخصية أو المشاريع التي كان يعتمد عليها تبخرت وانتهى مفعولها، في حين تأكدت من جديد متانة التحالف بين القاهرة من جهة، والرجمة مقر القيادة العامة للجيش الوطني الليبي من جهة أخرى، وهو تحالف ستظهر الأيام القادمة المزيد من تجلياته على أكثر من صعيد.