فاروق يوسف يكتب:

النساء قادمات من تونس

التونسيون يثقون بالمرأة على المستوى السياسي بالرغم من كل الضجيج الذي يصنعه تنافس الرجال في ما بينهم على السلطة.

إذا لم يكن الرجال فاسدين فإنهم أقرب إلى أن يكونوا كذلك. فهم لا يرون في الفساد ما يلوث سمعتهم. بل إن السمعة لا مكان لها في مخيلة الرجل ولا في عناده ولا في تهوره.

بالنسبة للمرأة فإن السمعة هي ثروة لا يمكن التنازل عنها. لذلك غالبا ما تحرص المرأة على نزاهتها من أجل أن تحافظ على سمعة أجيال، سوف لن تحمل اسمها. وهنا يكمن معنى عميق للتضحية.

بالأمس تقدمت عبير موسي زعيمة الحزب الدستوري الحر لترشح نفسها لانتخابات الرئاسة المقبلة. اليوم يتم انتخاب سلمى اللومي رئيسة لحزب نداء تونس وهو ما يمهد الطريق أمامها للترشح لرئاسة تونس.

يثق الكثيرون بأن سلمى اللومي ستنقذ حزب نداء تونس من حالة تمزقه وتشرذمه وطغيان الطيش الذكوري

ربما ستتقدم حركة النهضة بامرأة ممثلة لها في السباق الرئاسي. لا يرغب راشد الغنوشي في أن يسبقه الآخرون في ما يمكن أن يعتبره محاولة لكسب أصوات النساء.

في سنوات ما بعد الثورة كانت المرأة التونسية تقف دائما خلف الواجهة. لم ينكر أحد مسؤوليتها عن صنع التحولات، غير أن أحدا ما لم يكن يتوقع أن تغادر موقعها وتخترق الستار لتقف في مقدمة الواجهة.

تقف المرأة التونسية اليوم في واجهة المشهد السياسي. حين تم إسقاط حكومة حركة النهضة كان واضحا أن النساء قد وقفن وراء ذلك التحول. لا لشيء إلا لأن تلك الحكومة كانت قد خططت للقضاء على حقوق المرأة التي أقرها الدستور التونسي.

كان متوقعا أن يلجأ الغنوشي، وهو زعيم حركة النهضة الإسلامية الذي عُرف بدهائه، إلى استعمال النساء السافرات في دعايته الانتخابية وهو ما فعله، حين الانتخابات البلدية. غير أن ظهور عبير موسي وسلمى اللومي قد أفسد تلك المحاولة. وهو ما دفعني إلى توقع أن يقوم الرجل بإعادة ترتيب أوراقه. مع موسي واللومي ارتفع مستوى الحضور النسوي المدني.

تلك حالة استثنائية في العالم العربي. يثق الكثيرون بأن سلمى اللومي ستنقذ حزب نداء تونس من حالة تمزقه وتشرذمه وطغيان الطيش الذكوري. غير أن ظهور عبير موسي زعيمة لحزب تقليدي له جذوره في الحياة السياسية التونسية قد يحد من طموحات اللومي ويقلل من فرص وصولها إلى الرئاسة.

غالبا ما تحرص المرأة على نزاهتها من أجل أن تحافظ على سمعة أجيال، سوف لن تحمل اسمها. وهنا يكمن معنى عميق للتضحية

ذلك الموقع الذي لا يزال التونسيون يعوّلون عليه بالرغم من أن الدستور الجديد لا يهبُ الرئيس شيئا من الصلاحيات المهمة. غير أن انتقال النساء إلى الواجهة السياسية هو في حد ذاته تحول عظيم يمكن اعتباره واحدة من أهم ثمار ثورة الياسمين. معه صار واضحا أن المرأة لم تعد تنتظر ما الذي يقرره الرجال، لا في ما يتعلق بشؤونها فحسب، بل وأيضا وبشكل أساس في ما يتعلق بشؤون الدولة والشعب.

هل علينا أن نشكر الرجال لأنهم سمحوا بوقوع تحول من ذلك النوع؟ سؤال فيه قدر كبير من الحيلة التي تدعو إلى الإحباط. فالرجال، في حقيقة الأمر، لم يكن لهم دور في صناعة ذلك التحول. ربما علينا أن نكون ممتنين لرجل وحيد هو الحبيب بورقيبة. ذلك الرجل هو الذي مهد الطريق.

أما ما انتهينا إليه فهو من صنع المرأة التونسية التي لا تزال تعاني القهر عاملة في الفلاحة، وهي التي وهبت المجتمع نساء متعلمات قررن أن مواقع قيادة الدولة تليق بهن باعتبارهن ممثلات لأجيال من النساء الكادحات.

المرأة التونسية اليوم تهب السياسة بعدا جديدا هو ليس منها. ذلك البعد هو النزاهة والشرف والصدق. وهو ما يمكن أن يهز النظام السياسي الغارق في طمأنينة فساده.