فاروق يوسف يكتب:

العراق الغائب عن عروبته دولة افتراضية

لن تخسر الولايات المتحدة شيئا إذا قرر العراقيون الاصطفاف مع إيران في حروبها، متعددة الجبهات.

حينها سيخسر العراقيون تعاطف المجتمع الدولي معهم، ويعودون إلى العزلة التي سبق وأن فُرضت عليهم بعد احتلال الكويت.

ولأنهم لن يربحوا شيئا من إيران فإن استعداءهم للمجتمع الدولي يمكن اعتباره نوعا من الجنون الانتحاري الذي لا يمكن علاجه.

لقد بلغت هستيريا العداء لأميركا في بغداد حدا لم تبلغه في طهران. وهو أمر يدعو إلى الحيرة والامتعاض، ولكنه الواقع الذي دفع الرئيس العراقي في القمة العربية إلى الاعتراض على قرارات تلك القمة المنددة بالسلوك العدواني الإيراني. الرئيس العراقي بدا كما لو أنه مبعوث إيراني إلى القمة.

لم يكن في إمكانه أن يلعب في منطقة رمادية. فالميليشيات الإيرانية هي التي تحكم في الحقيقة البلد الذي جاء ليمثله في القمة.

العراق الذي حضر القمة هو عراق الميليشيات الإيرانية. لذلك لم يملك برهم صالح سوى أن ينفصل عن الإجماع العربي ويضع العراق في مكان مهين، لا يتمناه له أحد.

ضمن الحالة العراقية فإن استعداء العرب هو المطلوب بالنسبة لرجل مثل برهم صالح. فلأنه من دعاة انفصال كردستان عن العراق وإقامة الدولة الكردية، فإنه لا يرغب في أن يستعيد العراق حضوره في محيطه العربي. إنه لا يريد عراقا قويا ذا حظوة وهيبة ووجاهة. يريد للعراق أن يكون مهمشا ومستبعدا ورثا في مواقفه. باعتراضه على مقررات القمة حقق الرجل رغبته الشخصية، إضافة إلى أنه استجاب لمطالب الميليشيات الحاكمة في بغداد.

قد يزعم يوما ما أنه كان مضطرا لاتخاذ ذلك الموقف من أجل أن يجاري الصوت الأقوى في العراق وهو صوت الميليشيات، ولكنه في تلك الحالة يقدم نفسه رئيسا مستلب الإرادة، ضعيفا، ليس له من الرئاسة إلا اسمها.

أما إذا ادّعى أن ما أخفاه من موقف هو نقيض ما أظهره فحريّ به أن يستقيل من منصبه ويعود إلى “السليمانية” أو إلى البلد الذي يحمل جنسيته. وفي كل الأحوال فإن الموقف العراقي في القمة قد فضح الصورة التي انتهى إليها العراق، بلدا تحكمه ميليشيات، نجحت إيران في أن تضع عددا من الشخصيات المدنية في واجهته من غير أن تملأ تلك الشخصيات المناصب التي تحتلها.

فلا رئيس الجمهورية ولا رئيس الوزراء ولا رئيس مجلس النواب يستحقون أن يُعاملوا بناء على صفاتهم التي تنطوي عليها وظائفهم الرسمية. سيكون من الصعب النظر إليهم بطريقة جادة.

صحيح أنهم يتمتعون بامتيازات لا يتمتع بها أشباههم في مختلف أنحاء العالم، وصحيح أيضا أنهم يحيطون أنفسهم بجيوش من الحراس الأمنيين، غير أنهم في حقيقة أمرهم مجرد دمى لا تملك من حركتها شيئا.

لقد أفقدهم سيدهم الإيراني الحق في أن يمارسوا وظائفهم بالأسلوب الذي ينطوي على كرامة أداء الواجب الوظيفي. ومثلما حولهم المحتل الإيراني إلى واجهات له فإنهم حولوا العراق إلى بلد افتراضي، لا أحد ينتظر منه شيئا بعد أن غرق في خوائه.

كانت تلك واحدة من أهم المشكلات التي انعقدت من أجلها القمة في مكة.

هناك دول في المنطقة لم تعد تحكم نفسها بنفسها. وهي بسبب الهيمنة الإيرانية فقدت القدرة على إدارة شؤون مواطنيها. تلك دول هي أشبه بدوائر هجرة تمنح جواز سفر لمَن يريد التخلي عن مواطنته.

أعلن الرئيس العراقي في مؤتمر مكة بطريقة مواربة أن دولته التي عاث فيها الاحتلال الإيراني فسادا ليست مؤهلة لأن تكون جزءا من العالم الذي ينادي بحرية الشعوب. إنها دولة تقودها الميليشيات الإيرانية إلى الهلاك.