علي قاسم يكتب:

هل حقا أن الشعبوية شر مطلق؟

“الناس على حق، والنخب الحاكمة على خطأ”.. عبارة للرئيس الأميركي دونالد ترامب وردت في مقال له بصحيفة وول ستريت جورنال.

رأى ترامب، في المقال الذي نشر في أبريل 2016، أن العلاج الوحيد لعقود من حكم حفنة صغيرة من النخب قادت أميركا إلى الدمار، هو فرض إرادة الشعوب ورغباتها في القضايا الرئيسة.
لذلك لا غرابة أن يطلق على عام 2016 “عام الشعبوية السياسية”، ليصبح المصطلح لازمة تتكرر في وسائل الإعلام والمنابر السياسية الغربية، خاصة مع اقتراب الانتخابات في هذه الدول.
يختلف خبراء اللغات وعلوم السياسة والمجتمع حول تحديد مفهوم الشعبوية والمراد به، وبينما يرى البعض فيه شرا مطلقا، يرى فيه آخرون خطابا سياسيا متعاطفا مع الطبقات الشعبية وهمومها، في مواجهة نخب سياسية تحتمي بالديمقراطية وبترسانة إعلامية لتضليل الشعوب، وعندما تصل إلى الحكم تخون الأمانة التي تعهدت بصونها.
ويؤاخذ منتقدو التيار “الشعبوي” على أصحابه تبسيطهم الشديد للقضايا الاجتماعية والاقتصادية، معتمدين على شخصيات تتمتع بالحضور القوي والمقدرات الخطابية، التي تمكنهم من خداع الناس والتلاعب بعواطفهم لتحقيق مآرب ومكاسب سياسية.
الوعود التي تدغدغ حماسة الشارع التونسي، هي مصدر تخوف للأحزاب والقوى التقليدية، التي ترى في صعود التيارات الشعبوية تهديدا للديمقراطية الناشئة في البلاد
ويشير منتقدو الشعبويين إلى عبارات يتداولها هؤلاء مثل “ممثلو المواطنين العاديين، والطبقات المنسية، أصحاب الصوت الوطني الأصيل”. ورغم أن الشعبوية ظهرت تاريخيا في الأوساط اليسارية، إلا أنها أصبحت اليوم أكثر ارتباطا باليمين واليسار الليبرالي، خاصة في أميركا وأوروبا.
ويُعزى النجاح الذي حققته التيارات الشعبوية في الاستحقاقات الانتخابية، إلى مناهضتها لقضايا من قبيل العولمة والهجرة وتقشف الحكومات في قطاع الخدمات الاجتماعية والدفاع عن الهوية الوطنية.
ومن أبرز الأمثلة التي يسوقها الخبراء لاستحقاقات انتخابية برز فيها التيار الشعبوي: الاستفتاء البريطاني للخروج من الاتحاد الأوروبي، وحملة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والاستفتاء الإيطالي حول الدستور.
كان للعامل الاقتصادي دور كبير في بروز التيار الشعبوي، خاصة ظاهرة العولمة، وتفاقم الفقر الناتج عن عدم المساواة في الدخل، وتراكم الثروات، غير المسبوق، بأيدي حفنة من كبار رجال الأعمال، وانعدام الإحساس بالأمن الاقتصادي بين الطبقات الفقيرة، والطبقة المتوسطة التي تراجع مستوى حياتها لتصبح أكثر اقترابا من الفقر.
الدول العربية لم تعد بمنأى عن هذا الجدل، ومع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية في تونس، يتصاعد الحديث عن التيار الشعبوي ويجري تبادل الاتهامات.
ويرى رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي أن الشعبوية تمثل خطرا على الديمقراطية، مضيفا أنه ليس من المعقول أن يتحول رجل دين إلى رئيس دولة، وأن ينقلب رجل إعلام أو رياضي أو فنان لخطة رئاسة الدولة مستغلا في ذلك شهرته.
هناك إشارة ضمنية إلى أشخاص بعينهم، وإن لم يذكرهم الغنوشي بالاسم. ويربط المحللون السياسيون بين أقوال رئيس حركة النهضة وبين الأرقام التي أعلنتها عمليات سبر الآراء مؤخرا، وكشف فيها عن صعود قوي للإعلامي ورجل الأعمال نبيل القروي، الذي أعلن عن ترشحه للرئاسة.
ويعزو محللون صعود القروي إلى خطابه الموجه للفئات الشعبية المتضررة من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها تونس، بالإضافة إلى امتلاكه قناة تلفزيونية، تمكنه من التواصل المباشر مع قاع المدينة، وجمعية خيرية يدغدغ من خلالها مشاعر الفقراء.
وتلقى التيارات الشعبوية إقبالا من شخصيات تعمل خارج أطر وهياكل الأحزاب التقليدية، لتصبح سلاحا يعتمده المستقلون تقنية للتعبئة السياسية.
وإلى جانب نبيل القروي تشهد الساحة السياسية التونسية صعودا متزايدا في شعبية رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي. ويلقى خطابها رواجا عند فئة واسعة من التونسيين، رغم ما تضمن من تحريض تجاه من ترى فيهم خصوما، خاصة النهضة.
ورغم استنكار خطابها من قبل مختلف الفاعلين في تونس، حيث بلغ الأمر بمحمد الغرياني، آخر أمين عام لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل، والذي كانت فيه عبير موسي مسؤولة في مكتب المرأة، ليصف خطابها بالانحراف والشعبوية، ويعتبر صاحبته ظاهرة عابرة، فإن خطابها ما زال يجد رواجا وإقبالا من قبل التونسيين.
يؤاخذ منتقدو التيار "الشعبوي" على أصحابه تبسيطهم الشديد للقضايا الاجتماعية والاقتصادية، معتمدين على شخصيات تتمتع بالحضور القوي والمقدرات الخطابية، التي تمكنهم من خداع الناس
الوعود التي تدغدغ حماسة الشارع التونسي، هي مصدر تخوف للأحزاب والقوى التقليدية، التي ترى في صعود التيارات الشعبوية تهديدا للديمقراطية الناشئة في البلاد، لذلك سعت الحكومة التونسية، من خلال مقترحات متعلقة بتنقيح القانون الانتخابي، إلى قطع الطريق أمام بعض الشخصيات الشعبوية، باقتراحها عتبة انتخابية، تشترط من المرشح تجاوزها للوصول إلى البرلمان. وقدمت أيضا اقتراحا يمنع بموجبه أصحاب المؤسسات الإعلامية والجمعيات الخيرية من التقدم للانتخابات الرئاسية.
ويرى البعض في هذه المقترحات إقصاء مدروسا، يفسح المجال أمام الأحزاب التقليدية للفوز بالانتخابات القادمة، بينما ترى فيها جهات حكومية إجراء هدفه حماية التجربة الديمقراطية.
يلعب الخطاب الشعبوي على مشاعر الخوف والقلق لاستمالة الناخب، وهو خطاب يستقطب المهمشين والعاطلين عن العمل، وأصحاب الدخل الضعيف، والمناطق المهمشة اجتماعيا واقتصاديا. كما يعتمد مشاعر الكراهية للطبقة السياسية الحاكمة، ويتغذى من الركود الاقتصادي، والظروف الاجتماعية الصعبة التي تمر بها تونس.
ولكن، هل حقا أن الشعبوية شر مطلق؟ هل الحق في ممارسة الحكم والديمقراطية محصور على النخب السياسية، وهل مازلنا نعيش داخل أسوار أثينا، حيث الديمقراطية حكر على الطبقة الارستقراطية؟ وهل يحق لأحزاب، لم ينجز من وعودها سوى خيبة الأمل، أن تحكم على نوايا ووعود لم تختبر بعد؟
التونسيون اليوم أمام فرصة جديدة ليكونوا سباقين في تقديم الإجابات، وستشهد الأيام القادمة أكبر اختبار للتيارات الشعبوية والنخب السياسية.. اختبارا يبين هل أن “الناس على حق، أم النخب الحاكمة”.