فاروق يوسف يكتب:

إسرائيل ليست دولة صديقة

إسرائيل دولة ديمقراطية. في المنظور الغربي تلك المقولة لا جدال فيها. فاليهود بنوا دولتهم بخبراتهم الأوروبية بما يحقق العدالة بينهم، وبما يكرس مبدأ العمل بشفافية في ما يتعلق بدولتهم. لقد أنصفوا في ذلك، ومن خلاله، أنفسهم.

غير أن ذلك الإنصاف لا ينفي حقيقة الظلم الذي هو أساس إقامة تلك الدولة. فهي دولة أقيمت من غير حق. وهي دولة استبعدت في دستورها حقوق أصحاب الأرض الأصليين وهم الفلسطينيون الذين تعرضوا عبر سبعين سنة، هي عمر الدولة العبرية، لشتى صنوف العذاب والقهر والاستلاب. بالنسبة لإسرائيل فإن الفلسطينيين شعب لا وجود له.

وهو ما دفعها إلى تلفيق تاريخ وإحلاله محل التاريخ الأصلي، بحيث يتم اعتماد التاريخ المنتحل من قبل المجتمع الدولي الذي كان مُجمعا على القيام بتلك المهمة الشاقة بسبب ما تنطوي عليه من خيانة الإنسانية التي كان حريا به أن يدافع عنها.

لقد أقيمت إسرائيل على أساس مخالف للقيم الإنسانية حين تم اعتماد مقولة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”. يوم أقيمت دولة إسرائيل كان هناك إجماع دولي على نفي الشعب الفلسطيني عن حقيقته التاريخية. وهو ما قاومه الفلسطينيون ببسالة نادرة في التاريخ واستطاعوا أن يقلبوا طاولة الحقائق المنتحلة ليعيدوا الأمور إلى نصابها، فساعدوا المجتمع الدولي على استعادة جزء من شرفه وكرامته.

لذلك فإن ديمقراطية إسرائيل في ما يتعلق بحياتها الداخلية لا تشكل سببا مقنعا للعودة إلى مرحلة نسيان حقوق الفلسطينيين وإهمالها وطي صفحتها، بعد أن صارت بفضل بسالة الفلسطينيين عبر تاريخ طويل من النضال الوطني محورا لأزمة الشرق الأوسط.

إن كل محاولة للدفاع عن إسرائيل بذريعة ديمقراطيتها في مواجهة نظام عربي استبدادي، إنما تصب في الرغبة في تشويه الحقائق ونقل الصراع من جوهره إلى مواقع هامشية لا تمت بأي صلة إلى أسباب الأزمة.

فليس صحيحا أن يُقال إن توطين الفلسطينيين في بلدان لجوئهم هو حل ديمقراطي يمكن أن تمهد الطريق إليه مشاريع اقتصادية، يمكن أن يضعها المجتمع الدولي في خدمة تطوير البنية التحتية التي ستنتقل بدول المنطقة إلى المرحلة التي تكون فيها مستعدة للقبول بإسرائيل، باعتبارها دولة ديمقراطية يمكن التعلم من تجربتها.

هراء من ذلك النوع يمكن النظر إليه من جهتين.

الأولى تتلخص في محاولة عزل إسرائيل عن المشكلة الفلسطينية بحيث تُعفى إسرائيل من كل ما يتعلق بالحق الفلسطيني. والثانية تكمن في الترويج لحكاية التعاون الاقتصادي بين دول المنطقة، ومن ضمنها إسرائيل، وهو تعاون يغلب عليه طابع الدعاية التي يسعى صانعوها إلى طي صفحة الحق الفلسطيني وقطع الخيوط التي تصل بين مسؤولية إسرائيل والأوضاع الشاذة التي يعيشها الفلسطينيون في بلدان لجوئهم.

طريقتان في النظر تؤديان إلى هدف واحد. إسرائيل الديمقراطية التي يجب أن تكون قدوة لدول المنطقة التي سيكون عليها أن تتحمل عبء حل المشكلة الفلسطينية داخل أراضيها.

وإذا ما كان علينا ألّا ننظر بطريقة جادة إلى ذلك الحل التبسيطي المرتجل والقائم على جهل متعمد بالقضية الفلسطينية، فإن تلك الطريقة غير الجادة في النظر قد تؤدي إلى ارتكاب أخطاء ستؤدي بالضرورة إلى هزيمة جديدة أمام عدوّ، قرر أن يستبدل التاريخ الحقيقي بتاريخ منتحل.

يخون العرب نضال الفلسطينيين إن هم تغاضوا عن المياه الكثيرة التي تمرّ تحت الجسور. صحيح أن إيران بتهديدها للأمن القومي العربي قد صنعت واقعا جديدا، صارت معه إسرائيل تحتل مرتبة العدو الثاني غير أن ما يطرح اليوم من حلول للمشكلة الفلسطينية لن يكون السكوت عنه مقبولا.

إيران دولة عدوة، غير أن إسرائيل لن تكون دولة صديقة بسبب ذلك.