فاروق يوسف يكتب:

التهريج الأردوغاني في ليبيا

تركيا تحارب في ليبيا. ما معنى ذلك؟

الرئيس التركي ليس في أحسن أحواله داخليا. هزيمة حزبه في إسطنبول ليست هينة بالنسبة للكثيرين، حتى أولئك الذين كانوا إلى وقت قريب يحسبون عليه. ما صار رجب طيب أردوغان يخشاه شخصيا أن يكون زمن تراجعه قد بدأ. وهو ما يتناقض كليا مع طموحاته وما سيقاومه بقوة.

في الداخل يبدو هامش المغامرة السياسية ضيقا، لذلك اختار كعادته اللعب خارج تركيا ليستعيد جزءا من بريقه.

قد يكون تضييق الخناق عليه في سوريا أحد الأسباب التي دفعته إلى الهرب إلى ليبيا، غير أن السبب الرئيس يكمن في أن نصرة الميليشيات الإخوانية التي تحكم طرابلس وتقاتل ضد الجيش الليبي هي في حد ذاتها هدف عقائدي، يمكن لأردوغان الدفاع من خلاله عن تدخله في بلد بعيد عن حدود تركيا إذا ما تعرض للمساءلة القانونية.

أردوغان يدافع عن مصالح تركيا وهو يخلط بين تلك المصالح ونزعته العقائدية التي تحتم عليه الوقوف مع الجماعات الإخوانية المسلحة التي تبدو كما لو أنها تقاتل دفاعا عن خطها العقائدي، غير أنها في الحقيقة تقف ضد أن تعود ليبيا موحدة خشية أن تفقد مصالحها في ظل حكومة الوفاق الضعيفة التي وإن تمتعت باعتراف دولي غير أنها تدافع عن نفسها عن طريق الميليشيات. وهو ما يشير إلى حقيقة أنها حكومة مستضعفة.

يسعى أردوغان إلى أن يكون له مكان في تلك الحفلة مستعينا بعلاقات حزبه بالجماعات الإخوانية التي باتت معزولة ومحاصرة، وهي إذ ترحب بالتدخل التركي فلأنها تبحث عن طوق نجاة، يطيل من أمد الحرب سعيا منها لإجبار المجتمع الدولي على التدخل من أجل إقرار تسويات، تضمن من خلالها الحصول على جزء من ثروة ليبيا.

ميليشيات طرابلس لا ترى في حكومة الوفاق إلا واجهة تتمكن من خلالها من فرض شروطها في أي مفاوضات محتملة. وإذا ما كان الرئيس أردوغان قد أقحم تركيا في نزاع بعيد عن مصالحها، فلأنه أراد أن يثبت للشعب التركي أنه قادر أن يستثمر نزاعات الآخرين في خدمة المصلحة التركية، ناهيك عما يضفيه ذلك التدخل على تركيا من هالات القوة الإقليمية التي صار بإمكانها أن تفرض وجودها على بعد آلاف الكيلومترات.

يريد أردوغان أن يثبت لخصومه وللمشككين بزعامته أن تركيا الجديدة في ظل قيادته هي تركيا الأقوى، وهو في ذلك إنما يمارس دوره الذي اعتاد أن يمارسه كلما تعرض لأزمة داخلية.

لقد أفلح الرجل في إعادة تلميع صورته مرات عديدة من خلال افتعال أزمات خارجية، كان يراهن على الخروج منها منتصرا. وهو في ذلك إنما يسعى إلى إنهاء أزماته الداخلية.

غير أن ما لا يخفى على أحد أن أردوغان كان قد تعرض إلى هزائم كبيرة في إطار ذلك المسعى. كانت أزمة إسقاط الطائرة واحدة من كبرى تلك الهزائم. كما أنه خرج مهزوما في صراعه القانوني مع الولايات المتحدة. وكما يبدو فإنه سيضيف إلى سجله في الهزائم هزيمته الجديدة في ليبيا.

فليبيا التي سقط نظام حكمها السابق بسبب تدخل قوات الناتو الجوي هي محط أنظار دولتين متنافستين هما إيطاليا وفرنسا. الدولتان لهما مصالح إستراتيجية في ليبيا، فيما لا تملك تركيا أي مصلحة شبيهة. لذلك ستنظر الدولتان إلى التدخل التركي في إطار هزلي.

فالرئيس التركي الذي يحاول أن يفرض قناعا عقائديا على الصراع ينكر حقيقة ذلك الصراع. وهي الحقيقة التي تعرفها الدول المعنية بالشأن الليبي وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي أيدت مسعى الجيش الليبي لتحرير طرابلس.

وهنا بالضبط يبدو انفصال أردوغان عن العالم واضحا. فبسبب جهله فإن مساهمته في الحرب الليبية ستؤدي إلى أن تتلقى تركيا صفعة جديدة قد تنقذها من التهريج الأردوغاني.