فاروق يوسف يكتب:
خطوة أخيرة في اتجاهين
هددت إيران بتنفيذ الخطوة الأخيرة في خرقها للاتفاق النووي. وقد تتمثل تلك الخطوة في انسحابها من ذلك الاتفاق الذي لم تعد تراه نافعا في ظل استمرار الولايات المتحدة في فرض عقوبات اقتصادية مشددة عليها.
لم توجه طهران تهديدها إلى الولايات المتحدة التي لا تزال مكتفية بتأثير العقوبات من غير أن تغلق الباب على الاحتمالات الأسوأ، بل توجهت بتهديدها إلى الشركاء الأوروبيين بعد أن صارت على يقين من أن محاولاتهم إنقاذ الاتفاق النووي لن تصل إلى النتيجة التي ترجوها.
فمع مرور الوقت صار واضحا أن ما يفكر فيه الأوروبيون هو غير ما تفكر فيه إيران. وهو مما أحدث شرخا كبيرا في محاولة تقريب وجهات النظر من أجل مواجهة الموقف الأميركي القائم على إعادة الأمور في المنطقة إلى نصابها من خلال دفع إيران إلى التراجع عن سياساتها.
حاول الأوروبيون، في بدء الأزمة، أن يصنعوا مسافة تفصل بين موقفهم والموقف الأميركي في محاولة منهم للظهور أمام إيران بمظهر الصديق الناصح الذي يبحث بحكمة عن تسوية، تجنبها الدخول في نزاع، لن تكون قادرة على تحمل تبعاته الكارثية.
وهو ما لم تتعامل إيران معه بطريقة إيجابية، حين تخيلت أن أوروبا يمكن أن تنحاز إليها في الإصرار على تكريس سياستها من خلال تقديم طوق نجاة مجاني لها من العقوبات الأميركية. وهو تفكير ينطوي على قدر هائل من اللاعقلانية والغرابة. كما أنه يؤكد انفصال سياسيي إيران عن عالم السياسة في عصرنا.
ربما تسعى إيران، بعد أن تبين لها أن لا أحد يمكنه أن يقف معها ضد العقوبات الأميركية التي اتسع نطاقها، إلى الوصول بالأزمة إلى الحافة من أجل التلويح بالورقة الأخيرة
كانت أوروبا واضحة في مشروعها الإنقاذي. ما طرحته في ذلك المجال من نقاط للتسوية يكاد يكون صورة ملطفة من الشروط التي طرحتها الإدارة الأميركية من أجل الوصول إلى اتفاق نووي جديد، تعتقد الإدارة الأميركية أنه سيكون أكثر إنصافا من الاتفاق الذي انسحبت منه. لذلك فإن خيبة إيران بالفشل الأوروبي غير مبررة.
ما كان لأوروبا أن تحقق تقدما ملموسا في اختراق الأزمة في ظل صمم إيراني عن سماع رأي المجتمع الدولي. فهل كان متوقعا منها، على سبيل المثال، أن تُقْدم على خطوات تعين إيران على تثبيت أوضاعها الشاذة في المنطقة من خلال الاستمرار في ضخ الأموال لميليشياتها المسلحة المسؤولة عن تدهور الأحوال في عدد من بلدان المنطقة؟
في ذلك يكشف العقل السياسي الإيراني عن رثاثته وانفصاله عن الواقع. غير أن التهديد الحالي لا يعني أن إيران راغبة في الاستمرار في تحدي المجتمع الدولي بالرغم من أنه قد يؤدي بما ينتج عنه من أفعال إلى ما يشبه التحدي غير المقصود.
ربما تسعى إيران، بعد أن تبين لها أن لا أحد يمكنه أن يقف معها ضد العقوبات الأميركية التي اتسع نطاقها، إلى الوصول بالأزمة إلى الحافة من أجل التلويح بالورقة الأخيرة التي لا تعني بالضرورة استسلامها، وهو ما سيدفع أوروبا لكي تكون وسيطا بين طرفي النزاع. غير أن ذلك الرهان لن يكون مضمونا.
ذلك لأن خطأً يمكن أن ترتكبه إيران في خضم “تحديها” الوهمي قد يؤدي إلى انقلاب مأساوي في المعادلة التي صنعها حكام إيران. فما دامت الأمور تحت السيطرة بالنسبة للولايات المتحدة فإن شبح الحرب سيظل بعيدا. أما إذا شعرت الولايات المتحدة بأن إيران تسعى إلى إحراج موقفها في مجال ميزان القوى في المنطقة فإن الجراحة الأميركية ستكون نوعا من الحل.
إيران محقة حين تعول على ما تسميه بـ”الخطوة الأخيرة”. تلك خطوة يمكن أن تقربها من المجتمع الدولي ويمكن أن تبعدها عنه بما يشبه النبذ النهائي. خطوة هي مقياس لغيبوبة ويقظة العقل السياسي الإيراني.