فاروق يوسف يكتب:

الرئيس الذي استلهم شبابه من نضارة بلاده

لن يكون الباجي قائد السبسي رئيس المرحلة المقبلة في تونس. ذلك خبر لا ينطوي على ما يُدهش أو يصدم أو يُخيف. فالرجل في الثانية والتسعين من عمره وتونس لا تزال شابة.

تونس لا تزال شابة وستبقى كذلك بسبب غرامها بأبي القاسم الشابي الذي لا يزال شابا. كل شيء في تونس لا يستقيم إلا إذا كان شابا بسبب وفاء التونسيين لذلك الشاعر الذي وهب بلده إرادة الحياة.

كان السبسي محظوظا إذ وهبه الشعب فرصة لاستعادة شبابه من خلال منصب الرئاسة الذي مارس من خلاله خيلائه التي حرم منها أيام حكم الرئيس الحبيب بورقيبة.

السبسي رئيس يملأ منصبه. يليق بتونس أن يكون لها رئيس من نوعه. به ومن خلاله يمكن الاهتداء إلى قواعد راسخة في الحكم. فالرجل الذي عرف كيف يقفز على مرحلته العمرية ليكون ابن المرحلة الحالية ومن خلالها وهب تونس نموذجا لرئيس، كان بورقيبة قد فكر في أن يخلفه. غير أن انقلاب بن علي حرمه من ذلك.

أعرف أن بعض التونسيين يغيضه كلام من ذلك النوع. ليس بسبب نفوره من السبسي بل بسبب غضبه على بورقيبة.

لقد تحتم علينا أن نكون موقع سوء فهم في ما يتعلق بمَن يحكمنا. ذلك لأننا كنا نجهل كيف نُحكم. وهو ما يلقي ظلالا من الجهل على مشروع الحكم.

حكم بورقيبة تونس بطريقة الفرد الذي لا يُرد له طلب غير أنه صنع دولة في مرحلة ما بعد الاستعمار. وهي دولة كاملة. تلك هي فلسفة القائد السبسي في الحكم التي قد تكون موضع سؤال اليوم بسبب تغير الظروف.

ترأس السبسي تونس في مرحلة عصيبة، استطاع خلالها أن يحفظ للدولة هيبة مدنيتها. بالرغم من أن البعض يعتبره قد أخطأ حين تورط في التحالف مع حركة دينية تبيت الشر للمجتمع في صورته المدنية.

يمكن للسبسي أن يبرر ذلك التحالف برغبته في الحفاظ على السلم الأهلي. هدف جليل يستحق أن يُدفع له ثمن من نوع ما.

الثابت أن ذلك التحالف حد من عبث حركة النهضة.

والثابت أيضا أن السبسي لم يكن رجلا حزبيا. لذلك فشل في الحفاظ على وحدة حزبه الوليد "نداء تونس". ثقته المطلقة بالديمقراطية هي نقيض ما تتطلبه القيادة الحزبية من حزم وصلابة والانفراد باتخاذ القرارات المصيرية.

أخفق السبسي في أن يكون زعيما حزبيا ونجح في أن مهمته رئيسا لكل التونسيين. وهي مهمة ليست يسيرة.

فالتونسيون يختلفون على كل شيء. هم في خلاف مع أنفسهم. اما وقد كان عليهم ان يواجهوا استحقاقات مرحلة ما بعد الثورة، حيث الفوضى ممكنة في كل لحظة فإن خلافاتهم برزت على شكل أحزاب، كان من الصعب ضبطها والسيطرة عليها بقانون.

لم يكن من المنتظر في ذلك الوضع الشائك أن يكون السبسي في موضع اجماع، غير أن الرجل الذي أغضب قوى اليسار بتحالفه مع حركة النهضة لم تلن عزيمته في مواجهة الاعيب تلك الحركة ومراوغاتها. كان واضحا في موقفه السياسي من الإسلام السياسي فلم يتراجع عن تمسكه بخيار الدولة المدنية ولم يسمح لضغوط حركة النهضة بأن تؤثر على مسار الدولة الناشئة.

ذلك ما سيذكره له التونسيون بقدر كبير من العرفان.

فالرجل الذي أشرك الإسلاميين في الحكم لم يغمض عينيه عن مخططاتهم. كان ضروريا بالنسبة له أن تترسخ قواعد السلم الأهلي في ظل دولة مدنية. وهو ما سيؤدي بالضرورة إلى أن يخضع دعاة الدولة الدينية لإرادة المجتمع الذي صار اليوم أقوى مما كان عليه في سنوات ما بعد الثورة.

كان السبسي رجل مرحلته التي كانت من الممكن أن تكون مرحلة صدام لولا ثقته بتونس الشابة التي تؤمن بدولتها المدنية. تلك ثقة كانت موقع احترام بالنسبة للتونسيين بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية ووجهات نظرهم العقائدية.