نهى الصراف تكتب:
حتى تمرّ الأزمة بسلام
تمّر علينا مشاهد كثيرة من مثل هذا؛ يسقط طفل أو يتعثر على الرصيف فيصاب بنوبة بكاء متواصلة سرعان ما تخفت مع تصاعد نبرة صراخ الأم، التي تجد نفسها في حالة ذهول وصدمة وهي لا تعرف ما الذي يتوجب عليها فعله أو كيف يمكن أن تداوي بكاء طفلها ليخرج من الموقف بجروح نفسية طفيفة.
يتجمع المارة فينتشلون الطفل من الأرض ينفضون عن ملابسه الغبار ويكفكفون دموعه، مع ذلك، تستمر دموع الأم بالانهمار حتى يتحول صراخها إلى نشيج بعد أن تطالع وجه طفلها وتتأكد من أنه بخير. في الأوقات العصيبة هناك حاجة ملحّة إلى أم قوية، وهي لا تشبه بالتأكيد تلك الأم التي تولول وتصرخ بأعلى صوتها عندما تلمح قطرة دم على أنامل طفلها أحدثها جرح طفيف.
بالطبع، فإن أغلب الأمهات يخضعن لضعفهن البشري في مواقف مشابهة بدافع الغريزة أولاً ثم التعلق الشديد بالأبناء، على أن المحبة والحرص والخوف مشاعر طبيعية حتى في المواقف التي لا تستدعي ذلك، شرط أن تبقيها الأمهات قدر الإمكان خلف ستارة شفافة فيقفلن عليها حواسهن بصورة مؤقتة، حتى تمر الأزمة بسلام.
التظاهر بالقوة والشجاعة أكثر ما يحتاجه طفل يمر بمحنة وهو في ذات الوقت يحتاج إلى يد أمه الممدودة صلبة تشد على يديه وتقوي من عزيمته، حتى إذا كانت المحنة تفوق طاقته وطاقتها على التحمل، لكن الأمر بالتأكيد مهمة عسيرة.
عندما يشتكي الأبناء من ألم ما أو يمرون بموقف مربك، فإنهم يوجهون أنظارهم مباشرة إلى وجوه أمهاتهم وكأنهم يطلبون النجدة… فهي الملجأ الذي يحتمون به من أي أذى قد يصيبهم ومن دون كلمات، تسري مخاوفهم إلى روحها وتسكن أوجاع جسدهم في جسدها. ومثلما هو الملجأ الذي يحتمي فيه الناس من الحروب؛ قوي ومتين، عصي على العواصف والنيران والخراب، هكذا يتوجب أن يكون قلب الأم، ملجأ منيع يحتمي بجدرانه الأبناء من الخوف والألم.
على الرغم من ذلك، تحاصر الأمهات في بعض الأوقات أسئلة لا تجد لها إجابات حاضرة من مثل؛ ماذا لو كان طفلي بحاجة إلي في اللحظة التي أكون فيها بعيدة عنه؟ ماذا لو لم أكن قوية ومهيأة نفسياً لأقدم المساعدة والدعم؟ كيف يمكن أن يقوم شخص آخر، حتى لو كان الأب، بدوري في تلك الأوقات العصيبة وهل سيكون وجوده كافياً وفاعلاً؟
يحدد متخصصون في التربية أن مدى مسؤولية الوالدين وكفاءتهما لا يتعلقان بتجنب تعريض الطفل لسوء المعاملة أو الإهمال، بل يتعديان ذلك بكثير ونذكر في المقام الأول؛ تقديم الرعاية الصحية والحماية الكاملة وتعزيز رفاههم العاطفي وتعليمهم المهارات الاجتماعية الضرورية وإعدادهم من الناحية الفكرية والثقافية.
أما أفضل الآباء والأمهات، من وجهة نظر هؤلاء، فهم من يجدون طريقة مناسبة في تربية أبنائهم فيجمعون بين العاطفة وتحري السلوك الجيد؛ فالطفل لا ينمو جسدياً ونفسياً بالحب فقط، بل بالتعليم والرعاية النفسية والبناء المحكم لشخصيته.
في نهاية المطاف، فإن الصغار معرضون للحوادث والإصابات الجسدية والعوارض النفسية ومهما حاولت الأمهات جهدهن لدرء المخاطر عن الأبناء، فإن الأمر الواقع قد يخالف كل تقديراتهن. ومهما كان الأمر فالتحلي بالصبر والشجاعة هو الخيار الوحيد المتاح للخروج بأقل الخسائر للطرفين