مصطفى منيغ يكتب لـ(اليوم الثامن):
بطيخ الأردن أشْقَر اللَّوْن (1)
لسان المنطق، بما يجيزه العقل ينطق، الكل يقبل هذا باستثناء المنافق، الأردن لم تعد للعيش على المساعدات الأجنبية تطيق، كأنها أرض خلاء يستوطنها جفاف لقحطٍ مُزْمِن على الدوام يعانق، ويتمرغ في مساحتها بالكامل داء الأزمات الفتاك الخانق، وحبذا لو كانت تلك المنح تذهب لمن أعطيت من أجله بل يتلقفها عنوان من عناوين الالتفاف على الحقيقة المرة المتحدث بها وعنها ركبان تغَرِّبُ وتُشَرِّق ، لا يُعقل أن يصف المرء نفسه بالشريف العفيف ويداه ممدودتان لتسوّل مأكله ومشربه وما يمتعه برحلة تَرْوي عن غرائبها شهرزاد المُنَعَّمَة بالإشراف على زورق ، مهيأ للإبحار سراً وعلانيةً متى الخطر لذاك العُش الفاسد اخترق ، الناس في عمّان جلهم يعلمون بقدرة المدينة على الإنتاج لتغطية الاكتفاء الذاتي وبالتالي ما يفوق حاجاتها من المواد الأساسية الإستراتيجية لو تم التسيير باعتماد الحق ، قانونا يُطبَّق على الجميع .. وإنصافاً يطال الطموحين في اكتساب أي منفعة مشروعة .. وكفاءةً مطلوبة في المتقدمين الصفوف على رأس مسؤولية يتولى بها خدمة المواطنين وليس حفنة من بياعي الأوهام ما عرفت جلود أصحابها ما تفرزه بالتعب في العمل الشريف من عرق، مشغولة باقتسام ما غيرها لصالح تنفيذ أوامرها سَرَق .
المتموقعة بين الإنس والجن لباسها الداخلي شر يلازم الفُسَّاق ، أما الخارجي كأنه عاد من الحج والعمرة منظفا روحه ممزقا ملف ألعن ما سبق ، فاتحاً للحاضر كالمستقبل آخَرَ بطيب أعمال للاستشهاد بها مدونة بالحبر الذهبي على أنصع أوراق.
السَيِّئ يَسُوءُ بالأسْوَأ منه ولا فرج يلوح في الآفاق ، سوى تفريخ ما يشابه الأحياء العشوائية المُقامة مع الظلم في الظلام ، ومَن يفضل عدم الاكتراث مع التصورات العسلية ينام , ليستيقظ في الصباح قادرا على التلويح بالسياط ، مذكرا المعوزين أن الأردن له مَن يحكمه وما على الجميع إلا الطاعة بلا سؤال لمن ومتى وكيف ؟؟؟.
... عشتُ مرحلة من حياتي في أوربا ووقفت عند المقارنة بين حكامها وحكامنا نحن في شمال إفريقيا والشرق الأوسط لأجدَ أن سبب تقدم فرنسا وبلجيكا وألمانيا وهولندا والسويد وتأخر جل دول العرب نابع عن البعد الشاسع الحاصل بين قمة هرم الحكم وقاعدة تشمل الشعب أساس الدولة الأول والأخير، بُعْداً يضع هؤلاء الحكام في مرتبة السادة المقدسين ،كلمتهم نافذة، وتصرفاتهم (مهما كانت) مباحة ، وتمتعهم بمباهج الحياة تُشَرَّعُ من أجلها قوانين تضاف للحماية المباشرة وغبرها كثير، في دساتير يُصَوَّتُ عليها بصورة مثيرة للجدل بأغلبية خرافية تجعل الواقع حقيقة والحقيقة التزام يعَرض من لا يتشبَّث به طوال حياته للخطر ، فيترتب الموضوع / الظاهرة ، بتلخيص شديد ، على خدمة الشعب بكل مقوماته المتعددة وإرادته وممتلكاته ونبوغه وكل حقوقه ، لفرد واحد ملكاً كان أو رئيس جمهورية ، في أوربا شيء معاكس الحاصل تماماً ، يلج العقل من باب القبول به عن طيب خاطر وتقدير موضوعي سطحاً وجوهرا ، الحاكم هناك خادم أمين للشعب ، مصلحته تبتدئ كما تنتهي مع الشعب ، يأخذ عن خدماته المُقدمة على الوجه الصحيح للشعب ، ما يراه المُشَرِّعُ كافياً لتحديد العيش اللائق بمنصب رئيس الدولة في حدود مُتَّفَقٍ عليها جماهيرياً لا تضر باقتصاديات الوطن على الإطلاق .
بمحض الصدفة وجدتُ نفسي مرة في مدينة أوطْرٍيخْتْ الهولندية على مقربة من الملكة جوليانة لنتبادل التحية بأدب جم وهي تتجوَّل بين الناس دون بهرجة وبلا صداع ولا حراسة مبالغ فيها ولا مظاهر تقديس أو أي شيء من هذا القبيل كأن الأمر متعلق بسيدة محترمة ومواطنة لها حق التواجد العلني في بلدها بما شدني لتلك الحرية المعززة بالتربية الفكرية الأخلاقية السياسية المسؤولة أسمى ما تكون المسؤولية العاملة بالدرجة الأولى على تكريس النماء المتفاعل تصاعديا مع المراحل المقطوعة بدقة الحساب الفارض تلقائيا التطور المنشود المنتهي للتقدم المحافظ على درجة من النجاح كمؤشر أمان يُطمْئِنُ الأجيال بالقدرة عل إتمام الطريق القويم بما هو أفضل وفق إمكانات صلبة متينة معمولة بتنسيق مع اجتهادات العلم والعلماء المتعاقبة كضرورة لتمكين الممكن من إفراز آليات مواجهة تحديات أي عصر منتهيا كان أو منتظرا الظُّهور مُقَدَّراً في سُنَّةِ الحياة .( للمقال صلة)