علي قاسم يكتب:

الإخوان تمسكنوا.. فهل يتمكنون

في مؤتمر صحافي بصنعاء قالها الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح صراحة، “نحلق لنفسنا قبل أن يحلق الغرب لنا”، الحيلة لم تنطل على الغرب، ورغم التنازلات التي قدمها، لم تكن نهاية صالح أفضل من نهاية غيره من الرؤساء العرب، الذين انتهى بهم الأمر مقتولين، أو مسجونين، أو مطرودين.

في الحرب كما في السياسة، التحرك الاستباقي مطلوب، ولكن الأهم من ذلك اختيار التوقيت المناسب، فهل اختار الإخوان في مصر التوقيت المناسب للإعلان عن عزمهم الفصل بين الدعوي والسياسي؟ هم لم يوفقوا، ليس فقط بالتوقيت، ولكن بالآلية نفسها، إن كانت لديك بضاعة فاسدة، عليك التخلص منها، لا أن تفتح متجرا آخر تسوّقها فيه.

العالم لن يقبل من الإخوان أقل من التخلص من بضاعتهم الفاسدة.. فالإسلام السياسي اليوم أصبح بضاعة فاسدة تذوق العالم مرارتها، إرهابا، وعنفا، وتدميرا، وأي فصل يجب أن يكون بين الإسلام والسياسة، أو لا يكون.

المناورة سبقهم إليها، بشكل غير معلن، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مروجا لتركيا علمانية، الوطن فيها للجميع والدين لله، وكادت الحيلة تنطلي على الجميع.

مأزق الإسلاميين اعتقادهم أن لديهم تفويضا إلهيا بتغيير العالم، ولم يقبلوا أن الله يهدي من يشاء، ويصرون على هداية الناس بالإكراه

هذا لا يعني أن أردوغان تخلص من البضاعة الفاسدة، بل هو وجد مكانا آخر لتسويق البضاعة خارج تركيا. مقدما الدعم المادي والعسكري لحركات إسلامية متطرفة، وجماعات إرهابية، زارعا الفتن في كل مكان، متذرعا بحماية أمن تركيا. اليوم يواجه أردوغان اللوم والتقريع من أقرب أصدقائه، بعد أن دفعت أوروبا ثمن مغامراته وطموحاته غاليا.

الفصل بين السياسي والدعوي يُنظر إليه البعض بوصفه رخصة منحها الإخوان لأنفسهم لمعرفتهم أن الغرب لم يعد يقبل فكرة وجود أحزاب تقوم على مرجعية دينية، هذا إلى جانب التغيرات التي شهدتها مصر بعد عام 2013، وفشل مشروع الدولة الإسلامية في كل من العراق وسوريا.

وكانت حركة النهضة التونسية، في مؤتمرها العاشر، قررت فصل الدعوي عن السياسي، بضغط الراهن السياسي الدولي، ويرى البعض أن القرار كان إجراء تكتيكيا لا غير. ولكن أليست هذه الرخصة شكلا من أشكال التقية، يرفضها أهل السنة ويؤاخذون على الشيعة العمل بها.

الأمر يتعلق بالمغالاة في استعمال الرخصة التي يجب أن لا يؤخذ بها إلا في حال الاضطرار، ويرون أن الأخذ بالعزيمة أفضل، وأجمعوا على أن “من أكره على الكفر واختار القتل أنه أعظم أجرا عند الله ممن اختار الرخصة، وأما غير الكفر فإن أكره على أكل الخنزير وشرب الخمر مثلا فالفعل أولى”.

هم لم يوفقوا، ليس فقط بالتوقيت، ولكن بالآلية نفسها، إن كانت لديك بضاعة فاسدة، عليك التخلص منها،

مأزق الإسلاميين اعتقادهم أن لديهم تفويضا إلهيا بتغيير العالم، ولم يقبلوا أن الله يهدي من يشاء، ويصرون على هداية الناس بالإكراه، وهم يعلمون أن لا إكراه في الدين. ماذا سيبيع الإسلاميون في متاجرهم الدعوية، سيدعون الناس إلى الهداية بقلوبهم، وبلسانهم، فإن لم يهتدوا فبسيوفهم.

من سوء حظ الإسلاميين أنهم، مثل علي عبدالله صالح، لم يختاروا التوقيت المناسب للإعلان عن هذا الفصل، وكان الأجدر بهم اختيار لحظة وصولهم إلى الحكم لإعلان عنه.

مؤسس الحركة حسن البنا، الذي أخافه أن يصبح الإخوان “جسما عملاقا مخيفا لقوى الاستعمار وحلفائه”، قال إنه “استعجل المراحل”، مرددا عبارته المشهورة “ليتني أعود بالناس إلى مرحلة المأثورات”.

شهوة السلطة والحكم حالت بين الإخوان وقلوب الناس، وأنستهم مرحلة “المأثورات” والعبادات النقية، وأن الله محبة، وأن امرأة دخلت النار لقطة قتلتها، وأخرى دخلت الجنة لكلب سقته.

إن كان الإخوان يسعون للتمكن، عليهم مراجعة أنفسهم جيدا، فلم يعد الاقتداء بالإمام مالك، الذي نصح بالتقية، يكفي ليدرأ عنهم “سياط السلطان”، وهم لن يجدوا من يصدق نواياهم اليوم، حتى وإن تمسكنوا.