فاروق يوسف يكتب:
دعابة الصاروخ القطري بين الجد والهزل
حدث أشبه بالدعابة السوداء. فيه من الضحك ما يستدعي شعورا غامضا بالكآبة. نقلت الأخبار عن العثور على صاروخ "قطري" لدى أفراد من اليمين المتطرف في إيطاليا.
صار لدى قطر صواريخها إذن.
طبعا الصاروخ ليس قطري الصنع. إنه فرنسي ومن فئة جو جو، غير أن قطر كانت الجهة التي صدرته بعد أن اشترته من فرنسا. وهكذا تكون قطر قد دخلت إلى سوق السلاح باعتبارها مستثمرا.
ما الذي يدفع دولة صغيرة مثل قطر إلى لعب دور من ذلك النوع المثير للاستفهام والقلق في سوق خطرة، قد تؤدي إلى نتائج لا تُحسب عقباها؟
سيكون من الصعب تحديد الدافع. فقد يكون ذلك الدافع تجاريا بحتا. ذلك لأن قطر تستورد أسلحة لا تحتاجها. تخبئها في مخازنها سنوات ثم تبيعها. وهكذا يكون الصاروخ الذي عثر عليه بالصدفة جزءا من صفقة كبيرة.
لا أريد هنا أن أزج بقطر في مكان، يحملها المسؤولية عن رعاية وتمويل قوى إسلامية متطرفة تقيم في ضواحي المدن الأوروبية. وهو ما سبق وأن أشارت إليه الصحف الأوروبية في السابق. ولكن الدخول إلى سوق السلاح أمر لا يمت إلى البراءة بصلة.
ذلك يعني أن قطر لم تكتف بالمغامرة السورية. لا أعرف كيف تضمن السكوت الغربي "الإميركي بالأخص" عن دعمها غير المحدود للجماعات الإرهابية المسلحة التي قاتلت هناك وفي مقدمتها "جبهة النصرة" غير أنني على يقين من أنها وإن كانت تنفذ تعليمات قوة أكبر منها فإن هناك مَن حفظ ملفها في تمويل الإرهاب في مكان ما وسيظهر ذلك الملف في وقت ما.
تسعى قطر إلى أن تلعب دور الدولة الذكية غير أن ذكاءها قد لا ينجدها في الخروج من لعبة، هي أكبر منها. لا تكفي النزعة الإخوانية التي تسيطر على حكام قطر للإقناع. فاللعبة تتجاوز جماعة الإخوان التي لا يزال الغرب يعتبرها إحدى أدواته في نشر الفوضى في العالم العربي.
يوما ما ستجد قطر نفسها عاجزة في مواجهة تهمة رعاية الإرهاب وتمويله والترويج له دعائيا. وهي ورقة، يمكن استعمالها في وقت، يراه الغرب مناسبا.
طبعا لا يأمل أحد أن تتراجع قطر عن سياستها الكارثية، حتى بعد الكشف عن الصاروخ الذي سُمي "قطريا". ذلك الحدث هو من وجهة نظري جرس انذار. هناك من سيحاول ابتزاز قطر من أجل التستر على الفضيحة. ولأن قطر مستعدة للدفع فإن علينا انتظار سيل من الفضائح.
قطر التي تعتمد على ذكائها الفطري لا تعرف أن من أشترى منها كان قد باعها من أجل أن تكون عرضة للابتزاز. حدث ذلك بسبب أن سوق السلاح ليست شبيهة بسوق العقارات. وهو ما لم تدركه قطر.
مشكلة قطر أنها تعتمد على خبرائها المستورَدين. لا أعرف الدافع الذي يجعلها تثق بهم في حين أنها لا تثق بمواطنيها أو بضيوفها العرب. فكل الصفقات التجارية تتم عن طريق أشخاص، ليس المتوقع منهم أن يكون ولاءهم لقطر. وهو سلوك محير يدفع إلى السؤال عن الطريقة التي تنظر قطر من خلالها إلى مستقبل علاقتها بالعالم. فهل ترى أن مستقبلها كدولة صار مرتبطا بمصير المافيات العالمية التي تعتبر السلاح جزءا من تجارتها؟
ما لا يتمناه أحد لقطر وهي دولة عربية أن تسقط في هاوية علاقات مشبوهة بحثا عن مكانة لا تحتاجها ومن المؤكد أنها لا تحصل عليها في خضم صراع محموم بين الدول الكبرى التي لا يمكنها النظر إلى قطر باعتبارها دولة صغيرة بطريقة جادة.
لا معنى لأن يكون لقطر صاروخ إلا على مستوى التهريج الذي يُراد من خلاله ابتزاز، صارت تنفق على الدعاية لنفسها على حساب الحقيقة والواقع.