احمد عبداللاه يكتب لـ(اليوم الثامن):

الحليف اللدود والمتاهة الدائرية.. من سيعلق الجرس؟

التحالفات الضبابية بين المملكة العربية السعودية والإخوان المسلمين في اليمن أنتجت تعقيدات كبيرة في مسارات الأزمة، فلا النصر تحقق ولا العلاقة استقرت على مستوى واضح ومحدد ولا أي طرف نال من حب الآخر جانبا.


عام خامس يمر دون تغيير أساسي يذكر سوى أن الحوثيين أصبحوا أكثر تمسك بالأرض وأكثر عدة وعتاد وأكثر معرفة بالصناعات الحربية ويمتلكون المبادرة في إطلاق عاصفة مضادة من الصواريخ وطائرات الدرونز وأصبحوا عضواً فاعلاً في نزاعات الإقليم وأصحاب كلمة مسموعة لدى المجتمع الدولي وشريك قادر على الإملاء في محادثات السلام وتدريجياً سيستقبلون العائدين إليهم باتجاه معاكس لخط الهروب الشهير لكبار وصغار المسئولين المدنيين والعسكريين في مستهل الأزمة.


عام خامس والحوثيون أكثر قدرة على المناورات السياسية والعسكرية وفهموا جيدا كيف يديرون اقتصادهم الحربي ويطورون مصادرهم ويغرسون خطابهم في عقول الشباب والفتية ويكيفون مؤسساتهم مع بيئة الحرب ويروضون قبائلهم ويحولون التعليم لخدمة أيديولوجيتهم ويلونون صرختهم باعلامهم الموجه والنشط ويوحدون بالقوة ساحاتهم حيث لا صوت آخر يعارض صوتهم. وبكلمات قليلة أصبحوا الحاكم المطلق الآمن على كل جوانب الحياة في مناطق سيطرتهم. 


في الجانب الآخر من المشهد فشلت "الشرعية" تماماً بأن تصبح مظلة جامعة وتوجه طاقاتها نحو المعركة مثلما أخفقت بصورة يصعب استيعابها في إدارة الاقتصاد والمجتمع وأنتجت كثير من الأزمات بل أنها تلاشت داخل "كيان حزبي" أصبح حقلاً سياسياً تتلاقح فيه تكتلات تحتكم إلى بيئته وأهدافه وعناصر قوته التي ترتكز على الإعلام والناشطين في القنوات وميديا (التنافر الاجتماعي) الذين بنوا جبال من الثرثرة تحوم على قممها أسراب المغردين ليحولوا البطولات من ميادين القتال إلى الضرب على الكيبورد والكلام المباح لإرهاب كل من يخالفهم.

أما الشق الأكثر سوادًا لهذه الكوميديا فهو أن "الشرعية" دخلت بصورة شبه رسمية ضمن محاور الحرب الباردة الخليجية-الخليجية من بوابة حزب الإصلاح، حليف المملكة اللدود في اليمن... بل أصبحت طرفاً فاعلاً فيها. أي أنها (الشرعية)  تقف هي وداعمها الأساسي (المملكة السعودية) على طرفي نقيض حاد في هذا الصراع المرّ. فهل هو طول بال أم طول غياب؟

   

المملكة السعودية بوسائلها القديمة وضعت إمكاناتها في مسارات تكاد تصب في إطالة الحرب، والخوف أن تصبح متاهة دائرية لا نهاية لها، دون الادراك بأن التشبث بأول السطر أضاع النص كاملاً فهناك قراءات عميقة يجب تداركها عسى أن تواكب المتغيرات قبل أن تصل التعقيدات إلى نقطة لا رجعة عنها ويؤول المشهد إلى خراب مستدام.

لا أحد يعلم إن كان هذا الأمر مُدرك لديها أم أنها تعمل وفقا لفطرتها التاريخية التي أوقعتها في مصائب متكررة على صعيد سياستها الإقليمية وخسرت الكثير من محيطها الحيوي ومصالحها وحين استفاقت لم تُزل وشاحاً تقادم على ناظريها ولم تنظف أصابعها من عوادم الزمن المتراكم.

هناك بالفعل حيرة ماتزال تنمو بين الناس وتساؤلات عميقة حول الرؤية والهدف خاصة حين يواصل إعلاميون سعوديون تقديم تفسيرات متناقضة جداً حول مايجري في اليمن ومصير الجبهات، سنة بعد سنة دون يقظة حقيقية تدق أجراس الحذر وتضع الأصبع على الخلل النازف. فما حقيقة السكوت عن الحقيقة؟

 

وفي السياق ذاته لا يمكن إغفال الإيقاع الممل لأداء الإعلام الفضائي الذي يتكرر على نمط الطوابير الصباحية في المدارس الابتدائية القديمة ويتشبث بطرب العبارة المضحكة "نحن هنا أين انتم" والتي بالفعل تعكس حقيقة أنه مجمد هنا بينما يتحرك الآخرون. فمن يجرؤ على التصديق واستيعاب أن الإعلام ظل خمس سنوات على وسادة الهذيان المتكرر وكأنه مصاب بنوع من "الحمّيات" الغريبة، في معركة كان يعتقد الناس في بداياتها بأنها مسيرة أيام أو بضع أسابيع... فأين أنتم؟ 


الحرب الطويلة لا تخدم أحد خاصة وأن الحوثيين يكتسبون خبرة ومنعة ويكبرون وتزيد حيلهم عكس التوقعات القديمة فيما الشرعيون يكدسون الأسلحة ويعدون جيوشهم لمعارك المرحلة "ب" ولا يحققون في حربهم المعلنة أي تقدم يذكر عدا تلميع البساطير من غبار الركود أمام التباب.


لقد تعثرت "الشرعية" حين سخرت كل قدراتها وإمكاناتها في مهب صراعات الاخوان الاقليمية وفي مواجهة استحقاق الجنوب بصورة عدائية... هذا الاستحقاق الذي تعمد أخوان اليمن الترويج له عند انفجار الأزمة والتمدد الحوثي جنوباً في عام ٢٠١٥ بطريقة تنم عن الاختباء وراء "حمية الضرورة" لاستخدام الآخرين في حروبهم وما أن تصفو الأجواء حتى يكشفوا عن معاركهم الحقيقية.


ربما تدرك المملكة السعودية بأن الإخوان لن يتخلّوا عن حلمهم، خاصة في حكم "أقاليم" الجنوب والوسط التي حددوها في حوار صنعاء، وكانت الصاعق الذي أغرق الجميع في بحر من الدماء... وحين يضعون أيديهم عليها سيفاوضون الحوثي لاقتسام السلطة وفقاً لمعادلة الأرض. وإذا لم يحققوا ذلك سيحولون تلك المناطق إلى ساحات نزاع طويل الأمد على قاعدة الخيار الشمشوني لتصبح الأرض بعد فوضى عارمة ملكا لهم او هكذا يعتقدون! فأكثر شيء يتحلون به تاريخياً  هو "التقية وطول النفس" وأكثر شيء متوفر لديهم هو "الوقت".


الكثيرون ضمن مؤسسات المملكة يدركون ضرورة إعادة تقييم استراتيجية بلادهم... فالأزمة اليمنية عميقة ومتعددة المحاور ولا يمكن لأي عقل سياسي أن يتقبل فكرة أن حرب خمس سنوات (وما بعدها) هي فقط من أجل رئيس انتقالي… إلى آخر النشيد المعروف... لأن هذا سيصبح عنوان لمعجزة الضياع المستمر الذي سيدخل الجميع في انهيارات ممنهجة وتتحول نقطة "الضعف الجغرافية" لدى المملكة إلى وجه آخر للفجيعة. فمن منهم سيعلق الجرس؟