فاروق يوسف يكتب:

لا مكان للقوة في الخليج

ليست المشكلة في أن تحتجز إيران ناقلة نفط بريطانية. ذلك حدث تمكن تفادي تداعياته عن طريق الإسراع في الافراج عن الناقلة.

المشكلة تكمن في طريقة تفكير الإيرانيين في أن لهم الحق في التحكم بحركة الملاحة عبر مضيق هرمز. وهو ممر مائي دولي ليست لأحد يد عليا عليه. ذلك التفكير الخاطئ قد يجر إيران إلى مناطق مظلمة.

ما هو مطلوب من إيران وسواها من الدول التي تشترك معها في الاطلالة على مضيق هرمز أن تكون مصدر أمان لحركة الملاحة لا مصدر تهديد.

والامر لا يقبل اللعب أو المزاح الثقيل.

هناك خطوة خاطئة قد لا يؤدي التراجع عنها إلى محوها. وهو ما فعلته إيران في محاولة منها للرد على الاجراء البريطاني في جبل طارق.

ليس من حق إيران أن ترد بتلك الطريقة. ذلك لأنها تنتقل من موقع حراسة الأمن في الخليج إلى موقع، تكون من خلاله مصدر تهديد للأمن. وهو ما لا يتعلق ببريطانيا وحدها بل بجميع الدول التي لها مصلحة في أن تكون الملاحة في الخليج مضمونة وآمنة.

كان على إيران أن تبحث عن حل آخر لأزمتها مع بريطانيا غير أن تستعرض عضلاتها في المكان الخطأ. فإذا كانت بريطانيا قد أخطأت حين احتجزت الناقلة الإيرانية في جبل طارق وهو أمر قابل للنقاش فقد كان على إيران أن لا ترتكب خطأ مشابها يدفعها إلى مواجهة مع العالم.

ومع ذلك فقد كان التصرف البريطاني قانونيا. فالناقلة الإيرانية المحتجزة في جبل طارق كانت ذاهبة إلى سوريا وهو ما لا يسمح به قانون المقاطعة الذي أقرته دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا لا تزال واحدة منها.

بريطانيا إذاً تملك ما يسند موقفها قانونيا. في حين أن إيران لم تتصرف إلا باعتبارها دولة قراصنة.  

هناك فرق بين القانون والقرصنة.

لا أعتقد أن الإيرانيين يدركون ذلك الفرق.

كان من المتوقع أن ترمي إيران حجرا في الفراغ من أجل إثارة المجتمع الدولي واعادته إلى الاهتمام بأزمتها بعد أن بدا واضحا أن أوروبا قد سحبت يدها في ما يتعلق بمساعيها للتخفيف من أثر العقوبات الاقتصادية الأميركية على إيران.

ولقد زاد من عزلة إيران الدولية أن الإدارة الأميركية كانت قد قررت أن لا تلجأ إلى الخيار العسكري في المرحلة الراهنة وهو ما يعني أن الكرة صارت في الملعب الإيراني. فإذا كان الإيرانيون راغبين فعلا في إنهاء العقوبات فما عليهم سوى الذهاب إلى المفاوضات المباشرة، من غير البحث عن وسطاء. وهو ما رفضته إيران وما لا تزال ترفضه.

ذلك موقف لا يشجع أحدا لمد يد العون إليها. فالواضح أن القيادة الإيرانية ترغب بسبب تقديرات خاطئة أن يرضخ العالم للواقع الذي صنعته في منطقة بالرغم من تعارض ذلك الواقع مع القوانين الدولية.

ولكي تؤكد أنها دولة لا تعترف بالقانون الدولي فقد قامت باحتجاز ناقلة النفط البريطانية لتؤكد إنها قادرة على تنفيذ تهديداتها بغلق مضيق هرمز ضاربة عرض الحائط الالتزامات التي يفرضها عليها قانون الممرات الدولية.

كان الأولى بإيران أن تحل أزمة ناقلتها المحتجزة في جبل طارق في سياق قانوني. ذلك لأن هناك محكمة هي التي أقرت التحفظ على الناقلة ولم يتم الاستيلاء عليها من قبل قراصنة.

غير أن إيران التي لا تعترف أصلا بالقانون تصرفت من منطلق كونها في حالة حرب. وهي ترغب في حل أزماتها من خلال منطق الحرب. وهو ما يستدعي من موقع الحرج أن يقوم المجتمع الدولي برعاية مصالحه في الخليج وذلك عن طريق اجبار إيران بالقوة على الخضوع للقانون الدولي.

سيكون ذلك الحل مكلفا وخطرا. غير أنه الحل الوحيد الذي يمكن أن تفهم إيران من خلاله أن لا مكان للقوة في الخليج.