بكر أحمد يكتب لـ(اليوم الثامن):

دعم النخب الخليجية للقضية الجنوبية

يستطيع اي شخص متابع لمواقع التواصل الاجتماعي او حتى لمقالات الرأي في الصحف اليومية ان يلحظ التحول الكبير والجذري لمعظم النخب الخليجية في إعادة نظرها نحو القضية الجنوبية بطريقة تختلف تماما عما كانت عليه قبل عام من الان، فتلك النخب وهي بالمناسبة نخب لا يمكن الاستهانة بها، فهم كتاب رأيي كبار ورؤساء تحرير لصحف يومية مهمة ومحللين سياسيين ومفكرين على مستوى كبير من الوعي، اصبحوا الان داعمين للحق الجنوبي في تقرير مصيره واصبح التصور التقليدي ليمن واحد تحكمه قبائل من الشمال امر غير مطروح إطلاقا.
لهذا الموقف الخلاق اسبابه، فهو بالتأكيد لم يأتي من العدم، فهناك مسوغات كبيرة ودلائل واضحة تجعل الشخص يتحول من موقف إلى نقضيه، ولعل القضية الجنوبية كانت تحتاج فقط  إلى مسح التراب من على فوقها حتى تظهر كما هي واضحة للعيان، وهذا ما حدث خلال الفترة الماضية، واعني بذلك منذ استيلاء الحوثي على صنعاء وحكم المناطق الخاضعة له حتى الان، فتلك الحرب كانت مريرة وصعبة وايضا تلك الحرب وضعت الكثير من النقاط على الحروف وأدرك الخليجيون وعلى مستوى النخب بحجم المعاناة التي كان يعاني منها الشعب في الجنوب تحت حكم تلك العقلية، كما ادرك الخليجيون ومن خلال العمل الدؤوب للجنوبيين في ايصال قضيتهم ومعاناتهم بأنه هنالك فعلا شعبين قررا في لحظة عاطفية ان يعلنوا الوحدة فيما بينهم ضمن اتفاقيات واضحة، وان احد الطرفين قرر ان يخرج على تلك الاتفاقيات وينقلب على الآخر بالقوة العسكرية ويفرض قوانينه هو ونظامه هو وطريقة حكمه هو فقط، الأمر الذي جعل من مناطق الجنوب ارض خاضعة للإحتلال الاجتماعي، وعبارة إحتلال هذه وان كانت تصف الواقع كما هو ، فهي ايضا جاءت على لسان الكثير من القيادات الشمالية حين خرجوا بثورة ضد النظام البائد لعلي عبدالله صالح، الأمر الذي يؤكد فعلا حجم المعاناة التي  خاضها الجنوب تحت احتلال قاسي لا نظامي ويتسم بكم هائل من العشوائية والطبقية، ذلك الاحتلال احتكر الوظيفة العامة والمناصب المفصلية والعسكرية والإعلامية والبعثات التعليمية والسلك الدبلوماسي واستمر على ذلك الحال دون ان نلحظ اي تضامن ولو ضمني من احد في الشمال، وكان الحديث عن تلك الأمور او الإعتراض عليها يعرضك فورا لموجه من التهم والعقاب الفوري، كنا وبكل إختصار واقعين تحت احتلال حقيقي ولا غبار عليه.
نضال الجنوبيين قديم جدا، ولكن النضال وحده لا يكفي مالم يكن هناك من يجيد إيصال ذلك النضال الى العالم ويستطيع ان يشرح لهم اسبابه، فهذا العالم مثخن بكثير من القضايا ولا يوجد لديه وقت حتى يكلف نفسه عناء البحث عن الجنوبيين ولماذا هم غاضبون، هذا امر مناط بأهله، وكان من الجيد البدء في المحيط القريب منه والذي نشاهد الان نتائجه المبهرة، فالجميع متفق على انه من الصعب بقاء اليمن كما هو عليه منذ عام 1990 ميلادية، وان هناك تصور آخر لشكل تلك الدولة الفاشلة يجب ان يطرح على طاولة النقاش، ويبدوا ان من قرر طرحه هذه المرة  هم تلك النخب الخليجية التي فهمت جيدا بان مصلحتها تكمن في وجود دولة للجنوب العربي مقابل دولة اليمن، حيث ادركوا بأن الحرب قد تكون لا نهائية في ظل تراخي الشرعية التي تهيمن عليها قوى شمالية أخوانية يقابلها في الطرف الآخر من الجبهة قوى شمالية حوثية، وعلى ما يبدوا بان الجبهتين قرروا خوض حرب استنزاف غير محددة المدة، الأمر الذي جعل الخليجين يدركوا حجم المستنقع الذي سيقعون به ان قبلوا ببقاء تلك القيادات اليمنية تحكم تلك البقعة الممتدة من صعدة حتى المهرة.
الإدارك الواعي من النخب الخليجية للقضية الجنوبية ليس مبني فقط على مصلحة ذاتية تخص دولهم فقط، بل ايضا على مصلحة اليمن والجنوب معا، فهم وصلوا إلى قناعة بأن اي شكل من اشكال الوحدة بين الجنوب العربي وبين اليمن ما هو إلا إبقاء الرماد مشتعلة وان الأوضاع لن تستقر ابدا، مما قد يعيد شبح عودة الحرب الأهلية من جديد.
الشعب في الجنوب العربي يرفض ان يعيد تجربة مريرة اسمها الوحدة مع اليمن، واصبح الان يمتلك قوة عسكرية لا يستهان بها وارض يحكمها وشعب يناضل رغم كل المعاناة التي يعانيها الآن من نقص للخدمات الأساسية والحملات الإعلامية ضده من الشماليين، لكنه ادرك بان حلم استعاده الدولة بات اقرب إلى التحقيق من اي وقت مضى، وان حملة القلم والرأي والفكر في الخليج بات يقف في صفه، الأمر الذي يعني الكثير وان الأمر بات منتظر قرار سياسي ضمني من دول الإقليم حتى نرفع علم الجنوب العربي عاليا في كل المحافل الدولية.