محمد واني يكتب:
العراق يتهاوى!
لم نر في العراق ومن ضمنه اقليم كردستان لحد الان مسؤولا رفيعا او غير رفيع قد مثل امام المحاكم وادين بتهمة
الفساد او القتل او سرقة اموال الشعب وزج على اثرها في السجون ليذوق وبال امره، مع ان ما يجري في العراق من انواع الفساد والنهب المنظم والمدمر لثروات الدولة ما يشيب لها الولدان، فهو يتصدر الدول الاكثر فسادا في العالم والاكثر وساخة والاكثر تهديدا على حياة الانسان بحسب تقرير الشفافية الدولية. ولولا النوازع الطائفية لحكومتي الجعفري والمالكي "الدعوية" ودعمهما للميليشيات الطائفية وخوضهما حربا ضروسا ضد المكون السني في عامي 2006 و2007 لما ظهر تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" في العراق وعاث فيه فسادا. والعجيب ان ابطال تلك الحرب الطائفية القذرة التي ذهب ضحيتها مئات الالاف من الابرياء، ما زالوا يديرون دفة البلاد بنفس الطريقة سواء بشكل مباشر او من وراء الستار (الدولة العميقة) دون ان يطالهم القانون. وتستمر الحال بهذا الشكل دون ظهور بوادر لاصلاحات جدية تنتشل البلاد من المستنقع الآسن الذي وقعت فيه، وتعيد اليها عافيتها وترفعها من تصنيفات منظمة الشفافية العالمية التي تضع العراق في صدارة الدول الاكثر فسادا وقتلا على الهوية والاقل امنا وامانا على حياة الانسان. وكل ذلك بسبب تكرار نفس الوجوه التي اثبتت فشلها في ادارة الدولة وقيادة المجتمعات العراقية المعقدة، وكل ما يقال عن الاصلاحات ومكافحة الفساد والمفسدين مجرد شعارات سياسية ودعايات انتخابية لم تلامس الواقع ومن ضمنها دعوات الاصلاحات التي صدع بها رؤوسنا رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي. والحال ان الفساد تحول الى ظاهرة مجتمعية ومؤسساتية ترسخت في البلاد واصبحت واقعا سياسيا فارضا نفسه على الساحة السياسية بقوة.
قد تكون التركيبة الاثنية والطائفية في العراق هي التي املت السياسة المحاصصية على الحكام الجدد وعلى الاميركان ايضا في بداية تشكيل الحكومة الجديدة، ولكن ان تتحول الى برنامج سياسي للحكومات المتعاقبة ويعمل به، فهذا ما لا يمكن قبوله، كان من المفروض على حكومة نوري المالكي التي حكمت البلاد لفترة ثمان سنوات ان تعمل على اخراج مؤسسات الدولة المهمة ولو بشكل تدريجي من هيمنة المحاصصة السياسية وتعتمد في ادارة الدولة على الكفاءة والاخلاص والوطنية، ولكنها لم تفعل ذلك بل امعنت في تعميق المشاكل والازمات وانتهجت المحاصصة في توزيع المناصب طوال سنوات قيادتها للبلاد، والنتيجة ان العراق مازال يعاني من تبعات هذه السياسة الخاطئة ودخل في نفق مظلم لا يستطيع الخروج منه بسهولة.
والاخطر ان هذا التدهورالمنظم لاسس البلاد السياسية والاخلاقية اثر على ولاء الفرد العراقي للوطن، حيث تحول الولاء من الوطن الى الحزب او الطائفة او المنطقة، واصبحت الوطنية عند الشيعي تعني النجف وكربلاء وسامراء ومكان الائمة وممارسة الشعائر المذهبية، فأنى لهم مواجهة تنظيم "داعش" في مدينة سنية كالموصل او تكريت مثلا؟ من الطبيعي ان ينسحبوا من القتال ويلوذوا بالفرار لان هذه المناطق لا تمت اليهم بصلة، اما عندما يقترب الخطر من النجف وكربلاء المقدسة(!) فانهم يقفون وقفة رجل واحد ويعلنون التعبئة العامة و"الجهاد الكفائي" ويستعدون للمواجهة بكل صلابة! وقد فعلوا ذلك..
وكذلك الامر بالنسبة للاكراد، فمفهوم الوطنية عندهم ينحصر في اقليمهم فقط وهم مستعدون للدفاع عنه بكل قوة واقتدار اذا اقترب الخطر منه وقد رأينا كيف هب صغيرهم قبل كبيرهم للدفاع عن عاصمة الاقليم عندما اقترب تهديد "داعش"عليها، وقد فعلوا ذلك. ولكنهم لم يحركوا ساكنا ازاء زحف هذا التنظيم الارهابي المسلح نحو المدن العراقية في غرب ووسط البلاد. ونفس الشيء ينطبق على السنة، فهم ظلوا يدافعون عن حقوقهم وحقوق مناطقهم ويعلنون الاعتصام ضد الحكومة ولا يلتفتون الى مطالب الجنوب الشيعي والشمال الكردي.
اذن الواقع شيء والشعارات التي يرفعها دعاة التقسيم والطائفية والتبعية للخارج شيء آخر، الواقع ان العراق تتقاذفه ولاءات عرقية وطائفية متعددة وما يقال عن الوحدة الوطنية الجامعة لكل المكونات عبث ومحض هراء لا وجود له من الحقيقة!