فاروق يوسف يكتب:

نحب أميركا ونكره ترامب

لم يهبط دونالد ترامب من كوكب آخر. رجل العقارات الأميركي هو ابن ثقافة شعبوية سائدة في بلاده. ليس صحيحا أن الأميركيين منزعجون من وجوده على رأس السلطة في البيت الأبيض بالرغم من أن البعض اعتبره كائنا مزعجا.

تستحق الولايات المتحدة رئيسا من نوعه أم لا تستحق. ذلك شأن أميركي بحت. فما من أحد يمكنه أن يزعم أنه يعرف ذلك البلد المعقد والمركب حق المعرفة. المقيمون فيه غالبا ما يقفون عند حد معين من الإجابة ليبدأ بعدها استفهامهم الطويل.

"هذه هي أميركا" كان ذلك هو عنوان برنامج وثائقي بحلقات مفتوحة للتعريف بجوانب من الحياة الأميركية التي يتداخل فيها الشر والخير، الفوضى والنظام، العبث والمسؤولية، الفقر المدقع والغنى الفاحش، الفساد والشفافية، التجارة المخاتلة والتفوق في الإبداع في كل مستوياته.

أميركا بكل بساطة هي أميركا. قوة استثنائية عظمى. حولت عن طريق النقد الذاتي ناهيك عن قوة الدعاية هزائمها إلى انتصارات. في كل نزالاتها لم يخرج خصومها منتصرين. نجحت في أن تضع الغرب كله في حاضنتها بالرغم من أن أوروبا تنظر إليها بشك وريبة وشعور عميق بالخسران.

أميركا هذه هي التي انتجت رجلا من نوع ترامب الذي يعتبر ظهوره واحدا من علامات نجاحها الذي يعتبره البعض اخفاقا. إن أحبه الآخرون فإن ذلك لا يضفي هالة على شخصيته وإن كرهوه فإن ذلك لا يصيبه بضرر.

ولأن حب أميركا ليس واجبا فإن حب ترامب هو الآخر ليس واجبا.

هناك مَن يسعى إلى الظهور باعتباره الصديق الشخصي لترامب كما فعل أمير قطر في زيارته الأخيرة. وهي لعبة يقابلها ترامب بطريقة ماكرة حين يعول على صداقة قطر باعتبارها مصدرا لضخ الأموال وهو ما حدث فعلا.

غير أن ما قام يه الأمير الشاب وعبر عنه يتناقض كليا مع الحملات الدعائية المضادة لترامب التي تشنها قناة الجزيرة "الانكليزية" التابعة لقطر. ويمكن اعتبار تلك المفارقة حدثا عاديا إذا استسلمنا لخديعة "حرية التعبير" لولا أن الهجوم على ترامب يهدف إلى التخلص منه رئيسا بعد 2021، لا لشيء إلا لإنه اتخذ موقفا متشددا ضد الإرهاب وضد الدول التي تقوم بتمويله وفي مقدمتها قطر.  

مزاج الأمير في علاقته مع الرئيس الأميركي هو غير المزاج الذي يتحكم بوسائل الدعاية التابعة له. تلك لعبة ماكرة لا أظن أن ترامب غافل عنها. وهو إذ يتصرف بطريقة احترافية في مواجهة دعابات الأمير القطري فإنه يقدر أن مصلحة أميركا هي أهم من الحملات التي تُشن عليه. الرجل الذي أزعج قطر يسبب حربه على الإرهاب هو رجل عملي. ولأنه يدرك أن ضحكته الساخرة لن تؤثر سلبا على علاقات الآخرين بالولايات المتحدة فإنه لا يبالي بما يُقال من حوله.

لا يطمح ترامب كما يتوهم الآخرون أن يكون أميركا. بطريقة جاهلة يحب أولئك الآخرون أميركا كما لو أنها ليست البلد التي انتجت ترامب الذي يكرهونه. إنهم يفكرون في أميركا التي هي على مقاساتهم. وهو ما يكشف عنه الخطاب السياسي القطري الموزع بين كارثتين. كارثة حب الأمير القطري للرئيس ترامب باعتباره صديقا شخصيا وهو ما لا يحتاج إليه ترامب وكارثة كره الإعلام القطري لـ"ترامب" باعتباره عدوا للإخوان الذين لا تستطيع قطر فك ارتباطها بهم.

وما بين الحب والكراهية هناك أميركا التي تحظى بالتعاطف كما لو أنها لم تكن مسؤولة عن الكثير من الكوارث التي وقعت في العالم.

غياب ترامب عن السلطة وهو حدث ضُخت من أجله أموال كثيرة لن يكون بالنسبة لقطر نهاية المطاف على مستوى الشبهات التي تحوم حول علاقتها بالجماعات الإرهابية وتمويلها. ذلك لأن الحرب على الإرهاب لم تكن رأيا شخصيا طرحه ترامب وتبنته أميركا بشكل خاص والغرب بشكل عام بل هو جزء من سياسة الولايات المتحدة والغرب التي تتبناها الأجهزة السرية التي لا تستطيع الأموال القطرية التحكم بتوجهاتها.