فاروق يوسف يكتب:
معارض رقمية
ينظم غاليري “أتيلييه دو لو ميير” في باريس معرضين هما “أمسيات فان غوخ” و”أمسيات كليمت”. وهما معرضان رقميان، لا أعمال أصلية فيهما.
هناك صور دقيقة للأعمال تم التقاطها من أجل غايات بحثية ومُتعويّة في الوقت نفسه. تلك تقنية صارت تتبعها بعض المتاحف والصالات الكبيرة في العالم تحاشيا لنقل الأعمال الأصلية من أماكنها لما يتطلبه ذلك النقل من تكلفة مالية عالية، كما تتيح تلك التقنية إمكانية تسليط الضوء على جوانب خفية من الأعمال الفنية، لا يمكن التعرّف عليها من خلال النظر المباشر إلى تلك الأعمال.
هي طريقة في إرشاد المتلقي إلى مواقع القوة ونقاط الضعف في العمل الفني من خلال صورته. وفي متحف “فان غوخ” بأمستردام رأيت ذات مرة تطبيقا لتلك التقنية قريبا من أعمال أصلية للفنان.
وبالرغم من قيمتها المعرفية، فإن تلك التقنية لا تغني عن رؤية الأعمال الأصلية. فالصورة مهما بلغت دقتها تظل غير الأصل. كما أن المعرفة التفصيلية لأسرار العمل الفني لا تغني عن المتعة التي يكتسبها المرء حين يقف مباشرة أمام العمل الفني. سيكون من الصعب أن نقارن بين الأصل وصورته.
وإذا ما كان تبني عرض الصور محاولة لنشر الوعي الفني، فإنه ينطوي على خطر الانزلاق إلى وهم الاكتفاء برؤية الصور والتخلي عن السعي إلى رؤية اللوحات الأصلية.
حينها يقول المرء لنفسه “لقد رأيت كل فان غوخ في أمسية واحدة”، متناسيا أنه كان كمَن يتصفّح كتابا عن حياة الفنان وتجربته.
هنا تكون التقنية قد التهمت جزءا من الحقيقة التي تقوم على أساسها لذّة رؤية الأعمال الفنية. ولقد صار تقليدا بالنسبة إلى فئات من الشباب المهووسين بالتقنيات الحديثة أن يهتمّوا بطرق النظر الجديدة قافزين على الطرق التقليدية التي تعتمد على الوقوف مباشرة أمام العمل الفني.
لقد حلّت الصورة محل الأصل، وفي ذلك يكمن قدر من الاحتيال الذي لا يستقيم مع صدق الفن ونقائه ودعوته إلى التسامي.