احمد عبداللاه يكتب لـ(اليوم الثامن):
الجنوب أمام وضع متسارع.. غضب الشارع وغياب الإعلام
حين يشتغل الإعلام الموجه في مكان مفتوح على الحرب والجوع والإرهاب تصبح صناعة الكلمة سلاح خطير وحاسم، ومن لم يملكه يأتي الآخرون ليشعلوا صمته بأقوالهم ولوحاته بألوانهم وجدرانه بشعاراتهم. يا صاحب الحق إن خذلك الاعلام فلا معين لك، وعليك أن تجد طريقاً فاعلاً وعملياً لكي لا تؤجل أحلامك حتى تصبح مسموعاً.
خمس سنوات من الجحيم تزامن فيها وقع الحرب مع رواج الميديا واشتغال الناس عليها واجتهاد مشعلي الحرائق ليل نهار في النفخ وصب الزيت الغير مقدس.
عدن مفتوحة للشمس والبر والبحر ويأتي إليها الجميع دون أن تستثني أحد، وأصبحت مدينة الأضداد ففيها الجيوش المتصارعة وسباق الخصوم وعليها يتنمر الإعلام المتوحش، واليها تتسرب الأسلحة والمتفجرات والإرهاب والمخدرات، وشعبها يعيش الجوع والإذلال.
بينما صنعاء عاصمة حوثية صرفة ومؤمّنة وهي معمل كبير أحادي التوجه، مؤسسات وقبائل ومجتمع وإعلام.. سيد واحد وسلاح واحد. وكذلك مأرب عاصمة حزب الاصلاح لا شريك... وفي تعز لا يسمح الحوثي لأحد بشراكته في أماكن سيطرته، وحزب الإصلاح دحر منها حلفاء الأمس ليمسك بعروة المكان والزمان وحده، أينما حل يصنع جيوشه بمسميات وطنية وحشود شعبية، فالشرعية ملك له بدون منافس والإعلام سبيله ووسيلته القوية لغسيل مواقفه وإرهاب خصومه.
هذه هي الحرب لا يحمل فيها أي طرف أهداف متضادة ولا يتعايش مع أعدائه في خندق واحد. لكن على الجنوب وحده أن يصنع جيوشه من أجل الخطوط الأمامية في الجبهات فهي نافذته الوحيدة، ولا يسمح له بالسيطرة على أرضه ولا تأمين مجتمعه، أو هكذا تبدو الصورة التي لم يستطع أحد إخبارنا بأنها ليست دقيقة.
صناعة الجيوش في سياق الحرب المحلية و الإقليمية أمر تحكمه الضرورات لكن أن يذهب شباب الجنوب إلى كل مكان يقاتلون ويقتلون بينما أهلهم يعيشون حالة خوف وذل لم يشهدها أجدادهم في أي طارئ تاريخي، وتعيش عاصمتهم حالات الوجع والفوضى وانتظار المجهول المخيف، فهذا ضد العقل حتى وإن كان ضعيف الذكاء.
أتعلمون ماذا؟ هناك غليان شعبي مستمر يقابله برود القيادات ووعودها الكثيرة المؤجلة، ووضع يتعقد عند كل مطلع شمس وغروبها، وكأن الجنوب قليل الحيلة وكأن دماءه تذهب إلى خزانة الأعداء ليستثمروها! هذا مشهد يجب أن يتعدل بعقل وحكمة وقوة وقد حان وقته مرات ومرات.
على الجنوبيين أن يصارحوا التحالف العربي بأن هذا الوضع سيذهب إلى انفجار كبير وسيدفع الجنوب وعدن بالذات ثمن باهظ، فسلامة عدن هدف رقم واحد.. ولا قيمة لأي أهداف أخرى إن تمادى بها أمر يتعذر التشافي منه. ولن يكون هناك مستقبل لأحد إن هي غرقت مرة أخرى بدمائها. لقد ذهبت فرص كثيرة وأصبح لزاماً على القيادات الجنوبية التخاطب الجاد مع حلفائهم بأن تأمين عدن هو أساس كل شيء ونزع أي فتيل عنها بصورة نهائية أمر لا يقبل التأجيل، وهناك الكثير ما يجب عمله لأمنها وسلامتها.
حين يصيب الجنوب بلاء مثل الذي حصل في مستهل آب يغيب الصوت الآخر المتضامن مع دمه وإن أتى باستحياء فانه عقيم سطحي ومسموم، لكن حين يذهب الناس في ردة أفعال متسرعة وغير مدروسة، وهي غيض من فيض، تتنادى ضده الأصوات من المشرق والمغرب بكل حدة ومكر، حتى يُمحى المصاب ويتحمل القتيل ذنب القاتل.
ومع ذلك يلزم التأكيد بأن ردود الأفعال السريعة لا تخدم قضية ولا تؤمن شارع لأنها تتحول إلى مادة إعلامية خصبة بيد اعداء شديدي الخبث والخبرة ولديهم دعم اعلامي إقليمي رائد وواسع الانتشار، وهم يتمنون أن تُنسى الكارثة التي حلت بأبناء القوات المسلحة الجنوبية ويتحول الرأي العام إلى (حارقي البسطات).
تأمين عدن يقتضي عدم "تعدد الجهات المسئولة" ذات الأهداف المختلفة، وهو عمل احترافي ممنهج ومواكب ومستمر على مدار الساعة ولا تأتي به الطفرات أو ردود افعال سريعة. كما أن غياب الإعلام الجنوبي الحقيقي المرئي والمقروء ساهم كثيرا في تشويه الواقع وأعطى الخصوم مساحات مفتوحة للعمل فيها، وتحولت قيادات جنوبية إلى أرقام في التواصل الاجتماعي بتغريداتهم المكررة. وفي كل مرة تُطلق وعود وتصرخ رعود دون غيث، ويعود الشعب المكلوم إلى أوجاعه.
الجنوب محاط بالأعداء من كل الجهات ويعيش أوضاع خطرة ومتناقضة، بينما من أشعل الحرب (الحوثي) يعيش آمناً محميًا بقوته وقواعده الشعبية وحلفائه في الإقليم وتواطؤ المجتمع الدولي معه... والشرعية التي تحولت إلى منظومة سلطوية انتهت إلى يد الاخوان المسلمين وبموافقة سعودية لعلّ الأخيرة تستطيع عبثاً كسب اخوان اليمن في حربها! فإن ذهب الجنوب مأمورا طائعاً مسلوب الإرادة فلا مستقبل له... وهذا أمر يجب الوقوف أمامه بحنكة المقتدر صاحب الحق.