علي قاسم يكتب:

ترامب على حق.. الأيديولوجيا أمضى من السلاح وأشد فتكا

أخيرا، الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على حق في ما ذهب إليه، انتشار السلاح والحصول عليه بسهولة ليسا سبب ما تشهده الولايات المتحدة من عنف.

ولكن ترامب مخطئ تماما عندما يقول إن السبب مرض عقلي.

لم يبتعد ترامب، حتى حين حاول أن يتصنع البراءة ويتظاهر بالصدق، عن نمط التفكير العنصري، فاعتبر الإرهاب مرضا عقليا، متجاهلا أن أهم سمة في جرائم المرضى العقليين هي عدم التخطيط المسبق لأفعالهم، لذلك تكون الأحكام القضائية مخففة إذا كان مرتكبها مختلا عقليا.

ترامب بقوله هذا لا يدافع فقط عن مرتكبي هذه الجرائم، بل هو أيضا يدافع عن نفسه.

أسلوب ترامب في استباق الهجوم بهجوم معاكس، هو أسلوب بلطجة واحتيال. البلطجي والمحتال قادر على نسيان ما قاله أو فعله، والأهم يصر دائما على النكران.

وها هو، بعد أن ضبط متلبسا بقائمة من التصريحات العنصرية، يقف مخاطبا الشعب الأميركي، منددا بأيديولوجية تفوق العرق الأبيض.

قد لا يكون ترامب محتالا من النوع الذي نصادفه في حياتنا اليومية، فهو محتال من النوع الرفيع.. وفوق ذلك هو محتال لا يستحي.

ترامب نوع من المحتالين الذين إن ضبطتهم نساؤهم بالخيانة الزوجية، أنكروا وأقسموا أنهم أبرياء، ولعنوا التشابه.. أو ليس الله يخلق من الشبه أربعينا.

من سوء حظ ترامب أن هناك شبيها واحدا به، هو رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، والآخر أيضا أثبت أنه لا يستحي حتى وإن ضبط متلبسا.

وفي حين يحاول الأميركيون استيعاب حادثتي إطلاق نار، يومي السبت والأحد، أدت الأولى إلى مقتل 22 شخصا في متجر وولمارت في إل باسو بولاية تكساس، وأسفرت الثانية عن مقتل تسعة آخرين في حانة في دايتون في ولاية أوهايو، أدان ترامب، على غير عادته، ودون مواربة العنصريين، في سعيه إلى تهدئة المشاعر، قائلا “يجب على أمتنا أن تدين العنصرية والتعصب ونزعة تفوق العرق الأبيض”.

نقول إن ترامب على حق، لأن الإرهاب لا يحتاج إلى رخصة للحصول على السلاح، وهذا أمر لا يحتاج إلى إثبات.

في مصر وفي اليمن وفي سوريا وفي الجزائر والسودان، وفي أي بقعة طالها الإرهاب، لم يجد الإرهابيون صعوبة في الوصول إلى السلاح، بل رأيناهم أحيانا يمتلكون سلاحا أكثر تطورا من حكومات الدول نفسها.. أليس العراق واليمن وسوريا أدلة على ذلك.

كل ما يحتاجه الإرهاب هو أيديولوجيا تبرره، بعدها يصبح كل شيء سهلا.

ولم يقصر ترامب في مد الإرهاب بالتصريحات التي تشجع وتزكي أعمال العنف، حتى وإن أنكر ذلك.

الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما أشار إلى تلك التصريحات دون أن يسمي ترامب مباشرة “يجب أن نرفض بحزم الخطابات التي يلقيها أي من قادتنا، والتي تغذي أجواء الخوف والكراهية أو التي تجعل المشاعر العنصرية أمرا طبيعيا”.

والمرشح الديمقراطي بيتو أوروكي المنحدر من إل باسو ذهب أبعد من ذلك، معتبرا أن العنصري وحده “الذي تحركه الكراهية يمكن أن يكون شاهدا على ما حصل خلال عطلة نهاية الأسبوع، وبدلا من أن يثور ضد الكراهية يتماهى مع دعوة القاتل لجعل بلدنا أكثر بياضا”.

مرتكب إطلاق النار في تكساس نشر رسالة ضد المهاجرين تعكس، بشكل مقلق، تصريحات ترامب بشأن “غزو” المهاجرين القادمين عبر الحدود المكسيكية للولايات المتحدة.

عادة الرئيس بالتحدث بشكل مهين عن المهاجرين تؤدي إلى انتشار نزعة كراهية الأجانب في الحياة السياسية، وتشجع نزعة تفوق العرق الأبيض.

وحسب معهد “سوذرن بوفيرتي لو” لحقوق الإنسان، القول إن خطاب الكراهية الذي تستخدمه إدارة ترامب لا يلعب دورا في هذا النوع من العنف، الذي شاهدناه في إل باسو، لا ينم سوى عن جهل وانعدام مسؤولية.

وكانت لغة الكراهية والعنصرية، التي تزايدت مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض، موضوع رسالة وجهها 148 من الأميركيين الأفارقة خدموا في إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، نشرتها صحيفة واشنطن بوست، جاء فيها “لقد سمعنا هذه العبارات من قبل: عودوا من حيث أتيتم، عودوا إلى أفريقيا. الهتافات يُصرخ بها في وجوهنا، ويُهمس بها من وراء ظهورنا، ونُرمى بها عبر الإنترنت.. نرفض الجلوس مكتوفي الأيدي، تاركين الرئيس ترامب، أو أي مسؤول منتخب متواطئ، يمارس العنصرية وكره الأجانب”.

تاريخ ترامب العنصري لم يبدأ مع حملة الانتخابات، بل هو أقدم من ذلك بكثير. في عام 1973، رفعت وزارة العدل الأميركية دعوى ضد مجموعة “ترامب مانجمنت”، بتهمة التمييز ضد السود في ممارسات الاستئجار. وكان الدافع وراء هذه الدعوى رفض ترامب تأجير شقق في واحدة من أبنيته للسود.

واعترف أربعة من عملاء ترامب خلال التحقيق، باستخدام رمز “C” أو “9” لإظهار المتقدمين السود، وذكروا أنه تم إبلاغهم بأن شركتهم “لا تشجع على تأجير السود”.

مواقف ترامب العنصرية أكثر من أن تحصر، عرض البعض منها جون أودونيل، في كتاب نشره عام 1991، جاء فيه أن ترامب يفضل الرجال قصار القامة، الذين يرتدون الطاقية اليهودية، لإجراء الحسابات على أمواله. وأن الرجال السود الذين يعملون لديه كسالى، وأن الكسل هو سمة في السود.

ألا يبدو الحديث بعد هذا كله عن رخص حمل السلاح ساذجا ما فيه الكفاية.. ترامب على حق، أمثاله هم المشكلة. وسواء كان الإرهاب شرقيا أو غربيا، تبقى الأيديولوجيا أمضى من السلاح وأشد فتكا.