فاروق يوسف يكتب:
لحظة الحقيقة في مزاد الرئاسة التونسية
هل يسخر الشعب التونسي من نفسه أم من منصب الرئاسة؟
98 مواطنا رشحوا أنفسهم لشغل منصب رئيس الجمهورية. طبعا ذلك من حقهم ما داموا قد اجتازوا الاختبار القانوني من خلال حيازتهم على الشروط الموضوعة. ولكن هناك الالاف في إمكانهم أن يجتازوا ذلك الاختبار، فهل يعقل أن يترشحوا جمعا لنيل تلك الوظيفة الشاغرة؟
هناك عيب في مكان ما، هو ما يدفع بالأمور إلى أن تتخلى عن قالبها الجاد لتتشظى بين حكايات للتسلية يغلب عليها الظرف والفكاهة، ناهيك عن جانبها المزعج. ليس العيب حتما في المواطنين الذين يجد كل واحد منهم في نفسه القدرة على أن يكون سيد قصر قرطاج ولكن العيب يكمن بالتأكيد في منصب الرئاسة الذي فقد هيبته أو في سوء التقدير في النظر إلى ذلك المنصب.
يجب أن لا ننسى هنا أن المنصف المرزوقي وهو أحد المرشحين الحاليين للرئاسة سبق له وأن كان رئيسا لتونس لثلاث سنوات. ذلك الحدث شكل ضربة قاصمة لمؤسسة الرئاسة، لم يستطع الباجي قائد السبسي اصلاح ما أفسدته. ذلك لأن المرزوقي كان صنيعة الفوضى التي أحرقت في طريقها إلى قصر قرطاج كل القيم السياسية الراسخة التي تم مزجها بنظام بن علي القائم على الفساد.
كان المرزوقي هو واحد من أكبر أخطاء الثورة. فالرجل في حقيقته لا يصلح أن يكون معلما في مدرسة ابتدائية. فكيف به وقد وجد نفسه يقود شعبا؟ كنت كلما رأيته في لقاء تلفزيوني أشعر أن الكرسي الذي يجلس عليه في قصر قرطاج يأنف من جلوسه عليه. لم يكن ذلك مكانه بالتأكيد.
نموذج المرزوقي رئيسا هو ما يدفع بالكثيرين إلى التدافع إلى منصب الرئاسة. خطأ لم يتم التعامل معه كونه صنيع ظرفه الذي لم يكن طبيعيا، بالرغم من الشعب التونسي قد أعاد حساباته بطريقة متعقلة حين انتخب السبسي الذي أعاد لقصر قرطاج هيبته.
لا أعتقد أن الرقم 98 يشير إلى أن الشعب التونسي من خلال نخبه السياسية يتصرف بوعي وشعور بالمسؤولية في مواجهة المرحلة المقبلة وهي مرحلة مفصلية في تأريخه. فيها سيكون عليه أن يواجه خيارين. اما أن ينتصر لثورته التي جاءت تكريسا لوعيه بحقوقه المدنية وإرادته في صنع قدره أو أن يستسلم لحركة النهضة التي تسعى إلى إقامة دولة دينية.
المرشحون للرئاسة لا يدركون خطأ تقديراتهم.
فإذا لم تكن هناك أحزاب حقيقية ذات بعد تاريخي في تونس باستثناء حركة النهضة فإن ذلك ما يجب أن يكون سببا لوقوف المجتمع المدني في جبهة موحدة في ظل قيادة، يدرك الجميع أنها ستكون قادرة على النهوض بتونس والخروج بها من مرحلة ما بعد الثورة.
وهو الاجراء الوحيد الذي من شأنه أن يفشل مخططات حركة النهضة للاستيلاء على آخر أمل في أن يظفر الشعب التونسي بثمار ثورته التي تتعرض للخيانة والابتزاز والتغييب.
كان على السياسيين الذين تقدموا لشغل منصب الرئيس أن يفكروا في مصير تونس قبل أن يفكروا في مصائرهم، باعتبارهم زعماء فاشلين. ذلك لأن كثرتهم في الانتخابات ستكون لصالح حركة النهضة التي دخلت بمرشح واحد. بسبب تلك الكثرة ستضيع الأصوات المناهضة لذلك المرشح.
ليس في الامر ما يدعو إلى المزاح أو اللعب أو السخرية. ففي ظل وجود 98 مرشحا للرئاسة ستكون الطريق سالكة أمام عبدالفتاح مورو إلى قصر قرطاج وهو ما سيندم عليه الجميع. ذلك لأنهم ساهموا فيه، بل هم صنعوه
سيكون من الصائب ولأسباب وطنية أن ينسحب خفيفو الظل من السباق الرئاسي ليهبوا على الأقل جمهورهم فرصة أن يقول كلمته ضد حركة النهضة بطريقة مؤثرة. فكلما قل عدد المرشحين كلما قلت فرص مورو بالفوز. وكما أعتقد فإن على التونسيين أن يفكروا في أن يهزموا حركة النهضة قبل كل شيء. تلك الهزيمة هي ما سيهب المنسحبون تعويضا كريما. لقد كانوا أوفياء لتونسيتهم.