هيثم الزبيدي يكتب:
المجلس الانتقالي لم يهبط بمظلة على عدن
عدن إلى أين؟ السؤال يطرح نفسه بعد استيلاء القوات التابعة للمجلس الانتقالي على المدينة ومعظم النقاط المهمّة فيها بعد فشل “الشرعية” في تأمين الحماية المناسبة لها. “الشرعية” التي كان مفترضا أن تكون حاضرة في العاصمة المؤقتة لليمن سجلت غيابها عنها بشكل فاضح وشرعت أبواب المدينة أمام عودة الحوثيين إليها بتواطؤ مع “القاعدة” والإخوان المسلمين، الذين يطمحون إلى استمرار الوضع القائم إلى ما لا نهاية، بل إلى اليوم الذي يعقدون فيه صفقة مع الحوثيين برعاية إيرانية.
من هذا المنطلق، يعتبر تحرّك المجلس الانتقالي في عدن دفاعا عن “الشرعية” وما بقي منها، وتحركا من أجل منع عودة الحوثيين إلى عاصمة الجنوب اليمني بعد إخراجهم منها في العام 2015. ليس سرّا من أخرج الحوثيين من عدن بعدما كانوا في كلّ مكان فيها، مباشرة بعد سيطرتهم على صنعاء في الحادي والعشرين من سبتمبر 2014 وتوقيعهم اتفاق السلم والشراكة مع عبدربه منصور هادي، وممثل الأمين العام للأمم المتحدة وقتذاك، جمال بنعمر.
إذا كانت أحداث السنوات العشر الأخيرة في اليمن دلّت على شيء، فإنها تدل على حجم التواطؤ بين الحوثيين من جهة، والإخوان المسلمين -الذين يمثلهم حزب الإصلاح- من جهة أخرى. لا يمكن في أي وقت تجاهل السعي الدؤوب للرئيس الانتقالي عبدربه منصور هادي إلى عقد صفقة مع الحوثيين. لم يفقد الأمل بالوصول إلى مثل هذه الصفقة إلا بعد أن وضعه الحوثيون في الإقامة الجبرية إثر توقيعه اتفاقا معهم كان يأمل بأن يؤدي إلى مشاركة في السلطة على كلّ المستويات.
من لديه أيّ شكّ في ذلك، يستطيع العودة إلى الظروف التي رافقت وضع الحوثيين يدهم على العاصمة اليمنية التي رفض عبدربه منصور هادي الدفاع عنها بحجة أن هذه معركة علي عبدالله صالح وليست معركته. لم يتصدَّ للحوثيين في محافظة عمران التي هي المدخل إلى صنعاء. على العكس من ذلك، بارك سقوط معسكر اللواء 310 الذي كان بإمرة العميد حميد القشيبي والذي كان محسوبا على نائب الرئيس الحالي الفريق علي محسن صالح الأحمر، أي على الإخوان المسلمين الذين كانوا السبب الأساسي وراء توسّع الحوثيين إلى خارج صعدة بعد إسقاطهم لنظام علي عبدالله صالح. كانوا يريدون وراثته في العام 2011 تحت شعارات “الربيع العربي”.
لم يحتجْ الإخوان في أيّ يوم إلى التحالف علنا مع الحوثيين. كانت هناك مواجهات علنية بين الجانبين. لكنّ كلّ ما فعله الإخوان صبّ في نهاية المطاف في مصلحة الحوثيين حلفاء إيران وأداتها علنا، والمرتبطين بعلاقات سرّية مع قطر منذ كانت تتوسط في النزاع بينهم وبين علي عبدالله صالح خلال الحروب الست بين الجانبين، بين 2004 و2010. في الواقع، توقفت هذه الوساطة عام 2007 وانحاز القطريون نهائيا إلى الحوثيين بعدما خذلهم علي عبدالله صالح آخر العام 2008 وامتنع عن حضور القمة العربية التي انعقدت في الدوحة والتي دعا إليها الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، الأمير في تلك الأيّام. لكنّ العلاقة الحوثية – القطرية تعمّقت، كذلك تعمّقت العلاقة بين إخوان اليمن وقطر في الوقت ذاته نكاية بعلي عبدالله صالح، الذي اعتبر حمد بن خليفة أنّه طعنه في ظهره.
كشفت الأحداث المؤسفة التي وقعت في عدن حيث ظهر تقصير “الشرعية” أن ليس في استطاعة المجلس الانتقالي الذي لديه قوات خاصة به الاعتماد على أحد من أجل حماية المدينة، خصوصا أن التفجيرات الأخيرة التي قُتل فيها قائد عسكري كبير منهم أظهرت ثلاثة أمور؛ الأول التنسيق بين الحوثيين و”القاعدة”، والثاني انتظار الإخوان المسلمين اللحظة المناسبة للانقضاض على عدن، والثالث ضعف “الشرعية” الممثلة بقوات تابعة لعبدربه منصور ونجله ناصر. لم تكن هذه القوات سوى ميليشيات جاءت إلى عدن من أبين التي لديها تاريخ طويل من الصراعات والعداء (أبرزها أحداث 1986) مع أهالي العاصمة والمناطق المحيطة بها، خصوصا مع العسكريين الذين ينتمون إلى محافظة لحج ومديرياتها، أو مع الضالع.
فوق ذلك كلّه، لم يكن المجلس الانتقالي يثق في أيّ وقت في رئيس انتقالي يتزعم نجله ناصر ميليشيا مناطقية موجودة في عدن، فيما نجله الآخر جلال، منصرف إلى التجارة وارتكاب ما كان يرتكبه ضباط علي عبدالله صالح الذين استباحوا الجنوب اليمني، بما في ذلك عدن بعد انتصارهم في حرب الانفصال صيف العام 1994.
كان تحرّك المجلس الانتقالي ضروريا لإثبات أن هناك من يريد، بالفعل، المحافظة على عدن وتفادي عودة الحوثيين إليها مع وعي عميق لحقيقة أن عبدربه منصور مهتمّ بالتجارة أكثر من أيّ شيء آخر في ظل وجود رجل أعمال اسمه أحمد العيسي (من شبوة) جعله خاتما في يده، فيما كلّ هم الإخوان المسلمين، إرضاء قطر وتركيا واقتسام النفوذ مع الحوثيين، بكلّ ما يمثلونه، في مختلف أنحاء اليمن.
إن تقديم الجنوبيين الذين يقودون المجلس الانتقالي وكأنهم مغامرون هبطوا بباراشوت على القضية اليمنية أو الصراعات المحيطة بها لا يتسق مع واقع الحال. هؤلاء ليسوا دعاة انفصال لغاية الانفصال، بل ردّ على منظومة سياسية مهلهلة تريد أن تفرض نمطا من الإسلام السياسي اسمه الإصلاح، وترفض اسميا نمطا ثانيا من الإسلام السياسي اسمه الحوثي. في كل هذه التركيبة على أهل جنوب اليمن أن يحتملوا وأن يتألموا بصمت تحت مسميات الوطنية. هل من الوطنية أن يمعن الإصلاح في ظلم الناس في جزء أساسي من اليمن، وأن يعيد تكرار تجربة ما بعد عام 1994؟
بالتأكيد أن جنوب اليمن حالة مختلفة عن “أرض الصومال” ولا يمكن لأحد إجراء المقارنة معها إلا إذا كان قاصدا الدفاع عن “وطنية” الإصلاح والحوثي معا. والحديث عن تطورات جنوب اليمن على أنها مشروع انفصالي ساذج وغريزي وغير وطني، يهمل عناصر حيوية في الأمن الإقليمي في ذلك الجزء الحيوي من العالم. انظروا من يحرك الإصلاح ضد التحالف لمعرفة من عيّنه على هذا الجزء المهم من المنظومة العربية.
نحتاج إلى إعادة تقييم للأولويات وننظر ما هي العناصر التي تساهم في تعزيز أمن المنطقة وتحديد دقيق لمن كان مسؤولا بالدرجة الأولى عن الحال الذي وصل إليه اليمن.