فاروق يوسف يكتب:
النهضة بين وجهها القبيح وأقنعتها الزائفة
قال لي صديق تونسي معبراً عن يأسه وهو يأس أصيب به عدد غير قليل من المثقفين هناك عبر سنوات الإحباط القليلة الماضية "كل المرشحين للرئاسة غير مقنعين على مستوى الحفاظ على استقلالية مؤسسة الرئاسة".
ولكن تلك القناعة لا تكفي سببا لمقاطعة الانتخابات. كل صوت له ثقله وهو ما لا يجب الاستهانة به أو إغفاله. يبدو الامر مزعجا غير أنه ضروري.
ما يجب التفكير فيه واقعيا هو الدفع بالنتائج لكي تكون سدا يحول دون الانزلاق إلى ما هو أسوأ.
هي فكرة يائسة غير أنها تمثل نوعا من الحل.
فإذا ما كان فوز حركة النهضة في الانتخابات الرئاسية أو التشريعية هو الأسوأ فإن العمل على منعها من الفوز هو خيار وطني مثالي.
غير أن الخطير في الأمر يكمن في أن حركة النهضة قد اختارت عبدالفتاح مورو وجها علنيا لها لانتخابات الرئاسة وهي ليست ملامة في عدم التصريح بالأقنعة التي دخلت من خلالها السباق الرئاسي.
مرشح النهضة المباشر واحد، غير أن هناك عددا من مرشحيها غير المباشرين الذين سيضمنون لها حرية الحركة داخل الدولة حين يفتحون لها أبواب قصر قرطاج.
تلك هي أشبه بالأحجية التي سيكون على الشعب التونسي القيام بتفكيك عناصرها والتعرف على حقيقة المرشحين قبل الذهاب إلى صناديق الاقتراع. ذلك لأن "النهضة" قد وزعت دعمها بين عدد من المرشحين، قد لا يكون المنصف المرزوقي أبرزهم بالرغم من أنه يعتقد أنه الأكثر حقا في الحصول على دعمها بسبب ما قدمه لها من خدمات اثناء رئاسته المشؤومة.
وإذا ما كان المرزوقي لا يحظى بشيء من الشعبية بسبب ما تخلل رئاسته الأولى من سلبيات عكست ضعفه وسوء تقديره لمنصبه وانحيازه الرث للإخوان المسلمين بذريعة حماسته للربيع العربي فإن هناك مرشحين آخرين لا يقلون عنه سوءا سيكون ذهابهم إلى قصر قرطاج بمثابة نكبة للشعب التونسي، تتمكن من خلالها حركة النهضة من القبض على مصير البلاد.
لقد قُيض لحركة النهضة أن لا تتعرض لاهتزازات عميقة من داخلها وهو حدث طبيعي بالنسبة للأحزاب الدينية التي تملك القدرة على إخفاء خلافاتها وانشقاقاتها بعيدا عن الأضواء.
وكما يبدو فإن قسم الولاء المقدس يلعب دورا كبيرا في تكريس هيمنة القيادة التي لا يمكن أن تتعرض للنقد العلني الذي لا يقترب منه الانفصاليون. وهو ما استفادت منه حركة النهضة حين أبقت الطرق سالكة بينها وبين أعضائها ومناصريها السابقين.
ولأن الذين قرروا ان يضعوا مسافة بينهم وبين الحركة يؤمنون بأن دعمها لهم سيضمن لهم حظوظا أفضل في الانتخابات فإنهم قد سعوا إلى أن تقتنع الحركة بأنهم يمثلون رصيدا مضمونا لها في مستقبل أيامها.
ذلك التواطؤ لم يعد خافيا على التونسيين.
هناك شخصيات مستقلة ظاهريا ترشحت لمنصب الرئاسة هي في حقيقتها عبارة عن ألغام نهضوية ستنفجر ما أن يستقر بها الحال بعد الانتخابات التي صارت بالنسبة لحركة النهضة عبارة عن مكيدة.
ذلك ما يدفع إلى اليأس.
ولكنه اليأس الخلاق الذي يدفع في اتجاه الحقيقة.
تضلل حركة النهضة الجميع حين تقدم عبدالفتاح مورو باعتباره مرشحها الوحيد فيما تتستر على علاقتها السرية بعدد من المرشحين الذين تراهن على فوز واحد منهم باعتباره مستقلا، غير أنه في حقيقته يمثل ضمانة لها أكثر من مورو الذي تعرف أنه يمثل وجهها القبيح.
سيكون من أسباب شعور الشعب التونسي بالثقة بمستقبله أن يضع يديه على المواقع التي يمكن أن أسميها بـ"مواقع الغدر" في الانتخابات الرئاسية. وهي المواقع التي تتحرك من خلالها حركة النهضة خفية.
وكما أرى فإن الاختبار الحقيقي لمصداقية المرشح لانتخابات الرئاسة سيكون موقفه من حركة النهضة.
لا تنفع في ذلك المواقف الصامتة.
لو كنت تونسيا لصوتً لصالح مَن يقف علنا ضد النهضة.