الحبيب الأسود يكتب:

ما بين السعودية والإمارات ليس مجرد علاقات بين دولتين

العلاقات بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ليست مجرد علاقات عادية بين دولتين جارتين أو شقيقتين أو صديقتين، أو منضويتين تحت لواء تحالف إقليمي أو دولي واحد. الموضوع أكبر من ذلك بكثير، لأنه ببساطة يتعلق بالتضامن والتكامل الاستراتيجيين، وبالمصير المشترك في ظل تحديات كبرى تعصف بالمنطقة والعالم، وبتوحيد المواقف والجهود والمقدرات في خدمة مشروع حيوي يتطلع إلى عقود قادمة، ويشمل بغطائه محورا عربيّا تشكّل ليواجه مخاطر وأطماعا ومؤامرات وخططا جهنّمية تستهدف سيادة الدول ووحدة المجتمعات وأمن الشعوب واستقرارها.

إن من يراهن على الإساءة إلى العلاقات الثنائية الاستثنائية بين الدولتين، خاسر لا محالة، وهو لا يعرف حقيقة المدى الذي بلغه التنسيق بين القيادتين والحكومتين، ولا يدرك أن النهر أسّس مجراه، والقطار أخد طريقه، والمشروع الجامع بين البلدين ينطلق من رؤية مشتركة ومن فكر إصلاحي متوثّب، ويرتبط بثوابت سياسية واجتماعية وحضارية عريقة وعميقة، وبمشاريع كبرى ذات أبعاد استراتيجية تحدد ملامح المستقبل، وبروح تقدمية شبابية متطلعة إلى دور موحّد على صعيدي المنطقة والعالم.

المراقبون المنصفون يدركون ما بلغته العلاقات السعودية الإماراتية منذ أعلن في مايو 2016 عن تأسيس مجلس التنسيق السعودي الإماراتي الذي عَقد في يونيو 2018 أول اجتماعاته تحت مسمّى “استراتيجية العزم”، وتم الإعلان عن 44 مشروعا استراتيجيا مشتركا في المجالات الاقتصادية والتنموية والعسكرية، علما وأن المجلس يهدف إلى وضع رؤية مشتركة تعمل على تعميق واستدامة العلاقات بين البلدين وتعزيز المنظومة الاقتصادية المتكاملة بينهما، وإيجاد الحلول المبتكرة للاستغلال الأمثل للموارد الحالية، وبناء منظومة تعليمية فعّالة ومتكاملة قائمة على نقاط القوة التي تتميّز بها الدولتان، وتعزيز التعاون بينهما في المجال السياسي والأمني والعسكري، وضمان التنفيذ الفعال لفرص التعاون والشراكة، إضافة إلى إبراز مكانة الدولتين في مجالات الاقتصاد والتنمية البشرية والتكامل السياسي والأمني العسكري وتحقيق الرفاه الاجتماعي في البلدين.

واستراتيجية العزم هي خطوة غير مسبوقة في توحيد جهود دولتين عربيتين، عمل عليها 350 مسؤولا من البلدين ينتمون إلى 139 جهة حكومية وسيادية وعسكرية، بينما حدّدت قيادتا البلدين خمسة أعوام لتنفيذ المشروعات الاستراتيجية التي تهدف إلى بناء نموذج تكاملي استثنائي بين البلدين من خلال ثلاثة محاور رئيسية تضمن تشبيك المصالح وتوحيد الإمكانات وتحقيق المناعة والرقي، وهي المحور الاقتصادي والمحور البشري والمعرفي والمحور السياسي والأمني والعسكري.

هذا التنسيق الاستراتيجي الذي لا يستثني مجالا حيويا من اهتمامه، ينظر إليه المراقبون على أنه تدشين لعصر عربي جديد وتعبير عن وعي غير مسبوق بضرورة بناء القوة الذاتية واللحاق بركب الدول المتقدمة والاستفادة من المكانة الاقتصادية المهمة التي يحظى بها البلدان على الصعيد العالمي، ومن علاقاتهما المتطورة والمتوازنة مع مختلف الدول الكبرى من الصين واليابان شرقا، إلى الولايات المتحدة غربا، لتأسيس قاعدة صناعية وتكنولوجية متطورة، تحصّنها قوة استراتيجية متمكنة من تقنيات المستقبل ومن القدرة على إدارة الذكاء الصناعي، على أن يتم كل ذلك في ظل نهضة شاملة بالإنسان ورفاهيته وبالإصلاح الاجتماعي الذي يعتمد في جانب بارز منه على الفهم المتقدم للموروث الثقافي والحضاري باعتباره دافعا للتنمية المستدامة لا معرقلا لها.

نحن إذن أمام مشروع رائد من كل النواحي، ومنذ أيام أكد ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أن العلاقات بين الدولتين كانت، ولا تزال وستظل، علاقات متينة وصلبة لأنها تستند إلى أسس راسخة ومتجذرة من الأخوة والتضامن والمصير المشترك، إضافة إلى الإرادة السياسية لقيادتي البلدين الشقيقين وما يجمع بين شعبيهما من روابط الأخوّة ووشائج المحبة والتقدير.

مشيرا إلى أن الإمارات والسعودية تقفان معاً، بقوة وإصرار، في خندق واحد في مواجهة القوى التي تهدد أمن دول المنطقة وحق شعوبها في التنمية والتقدم والرخاء. كما أبرز أن المملكة هي الركيزة الأساسية لأمن المنطقة واستقرارها وصمام أمانها في مواجهة المخاطر والتهديدات التي تتعرض لها، لما تمثله من ثقل وتأثير كبيرين على الساحتين الإقليمية والدولية، وما تتسم بها سياستها في ظل قيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، من حكمة واتزان وحسم وعزم في الوقت نفسه. أما من يراهنون على حصول تصدع في العلاقات الإماراتية السعودية، فلا شكّ أنهم لم يستوعبوا بعد المدى الذي بلغه مستوى التنسيق بين أبوظبي والرياض، أو التوافق بينهما في تحديد ملامح الأعداء والمناوئين والمتآمرين سواء من أبناء الجلدة الواحدة أو من الجوار الإقليمي، أو حتى من خارج المنطقة، وكذلك في تحديد الحلفاء والشركاء والأصدقاء الذين يمكن الاعتماد عليهم والتعاون معهم والارتباط معهم في العناوين الاستراتيجية الكبرى.