بكر أحمد يكتب:

إنه الجنوب العربي ...أما بعد

قالوا العرب قديما بأن السيف اصدق انباءً من الكتب، لأنهم أدركوا مبكرا بأن فرض الأمر الواقع واسترداد الحق الذي أخذ لا يكون إلا بمقدار معين من القوة، وان القوي العزيز هو من يفرض كلمته، اما المهادنة والمسالمة فهي لن تحرك شيء على الإطلاق.
الجنوب تعلم من هذا الأمر، وكما سُلبت حقوقه بالقوة ، هو قرر وبنفس الأسلوب أن يسترد حقوقه، واصبح وبعد معركة مفصلية ضد قوى الكهنوت المتخفية تحت رداء الشرعية  رقما صعبا فرض نفسه واصبح مكانا يشار إليه بالبنان، أن المجلس الانتقالي الجنوبي الذي ومنذ إنهاء معركته اصبح لا يمكن أن يمر أي يحل في اليمن من دونه.
المعارك والحروب لا بد و ان تلازمها مقدار عالي من السياسة حتى تدار مرحلة ما بعد النصر، وتطهير عدن كان امرا منتظرا منذ سنين طويلة وقد حدث أخيرا، وكل العالم تضامن ضمنيا مع المجلس الانتقالي ونادي بالعودة إلى الحوار بين الطرفين ( المجلس الانتقالي الممثل عن الشعب الجنوبي وبين شرعية هادي ) وهذا التضامن جاء كثمرة طويلة من العمل السياسي والدبلوماسي والإعلامي، كان الجنوب وبكل أطياف شعبه كتلة من العمل والطموح لتعريف العالم بقضيته التي تعتبر من اكثر قضايا العالم عدلا.
اول الأعمال عقلانية والتي قام بها المجلس الانتقالي هو التأكيد على شرعية هادي، وهذا دليل على الحس الدبلوماسي العالي، فمادام هناك اعتراف بالرئيس هادي، فهذا يعني بانه لا انقلاب عسكري في الجنوب كما تروج له منظومة الإعلام الإخواني.
وثاني الأعمال العقلانية التي قام بها المجلس الانتقالي هو تأكيده على التزامه بكامل أهداف التحالف العربي وأنه سيبقى وأحد من اهم أعمدته لتحرير صنعاء وضواحيها من الحكم الحوثي التابع لإيران.
وثالث تلك الأعمال هي قبوله الانسحاب من المواقع التي طلب التحالف العربي منه ان ينسحب منها.
إن الانتقالي يثبت فعلا من خلال أعماله بأن العدو ليس هادي وشرعيته ، بل العدو هو تنظيم الإصلاح ، ذلك التنظيم الذي أصبحت المنطقة العربية كلها تشمئز منه ومن أعماله وإرهابه، لكنه في الجنوب كان يشكل بجوار تغذيته للفكر المتطرف كم هائل من الفساد ومن التلذذ بتعذيب المواطنين من خلال منعه عنهم ابسط أساسيات الخدمات المستحقة من كهرباء وماء ونظافة في الشوارع.
كان تنظيم الإصلاح ومن خلال شرعية هادي كومة من الخراب المتعمد التي حطت على الجنوب وكان من المستحيل الصبر عليه اكثر وخاصة ان هادي بات مكبلا وغير قادرا على اتخاذ أي قرار يحد من سلطتها.
إذا معركة عدن كانت ضرورة حتمية وامر لا بد منه.
أما بعد :
على المواطن الجنوبي ان يشعر بالفرق، فمنذ خمس سنوات وهو يسمع بأن الإصلاح ينهب ثرواته ويمنع عنه خدماته، ولذا عليه ان يرى الكهرباء مستمرة دون انقطاع، وان يرى المياه تتدفق دون توقف وان يلاحظ الشوارع نظيفة بدون باعة جائلون يشوهون كل زاوية من زوايا المدينة، ان يشاهد رجل المرور يؤدي عمله دون ان يبتز مواطنا او يطلب رشوة، على المواطن الجنوبي ان يشعر بان القانون يطبق على الجميع وان ظاهرة حمل الأسلحة قد اختفت.
يحتاج المواطن الجنوبي ان تكون الدولة بجواره لتنظيم حياته، واهم تلك الأمور هو إعادة النظر في بيع نبته القات المصنفة دوليا بأنها نبته مخدرة، فالقات هو أبو الآفات كلها وسبب حقيقي لكثير من المشاكل الأسرية والاقتصادية والاجتماعية ، والمجتمع الجنوبي سيكون بأفضل حال بدونها.
وايضا على المواطن الجنوبي مع قيادته في المجلس الانتقالي ان لا يعتقد بان مراكز القوى التي خسرت اماكنها في الجنوب ستقبل بهذا الوضع، بل ستهاجمه إعلاميا بدون اي رحمة او خطوط حمراء، ستشعل الحروب بداخله ان استطاعت، ستدعم قوى التطرف وتعيد تشكيلها من جديد، انهم يراهنون على فشل المجلس الانتقالي من خلال زعزعة خدماته وامنه وإستقرار الجنوب، فتلك القوى لا يوجد شيء يساوي مصالحها الشخصية أبدا.
واهم من يعتقد بان المعركة انتهت، وان الأمور ستكون على خير ما يرام،، بل يجب ان يكون كل شيء قمنا به قبل معركة تحرير عدن، ان نستمر بعمله ولكن بشكل مضاعف واكثر إصرارا، فما زالت هناك بؤر من الاحتلال الشمالي في شبوة وفي حضرموت، ولن يستقر الجنوب بوجودها، لأنها تضم في معسكراتها كل أنواع الجماعات الإرهابية وتحمل حقدا لا يمكن تصوره تجاه الجنوب والجنوبيين.
وجود دولة عربية في جنوب الجزيرة العربية تحت مسمى ( الجنوب العربي ) هي دعامة لاستقرار المنطقة ومحاصرة النفوذ الفارسي والإخواني، هذا ما توصلت لها القيادات في التحالف العربي بعد ان خذلها جيش علي محسن ولمدة خمس سنوات، وعندما يتخذ قرار مثل هذا، فهذا يعني ان كل الخيارات الأخرى قد استنفذت، وان الجنوبيين اثبتوا فعلا التزامهم وولاءهم لأخوتهم العرب ضد العدوان الخارجي.