هاني مسهور يكتب:

وما بعد عدن .. اليمن يمنان

ارتدادات احداث عدن طفت على السطح الإعلامي في سابقة غير مألوفة برغم أن القضية الجنوبية تعتبر أكثر الأزمات على صعيد الجزيرة العربية وجوداً فعلى امتداد ربع قرن زمني نشأت الأزمة ومرت بمسارات وظل الإعلام العربي يشيح بوجهه عنها حتى قرر أبنائها ان تتحول القضية إلى العنوان الأعرض في مانشيتات الإعلام العربي والدولي.

لافت تناول النخب الصحفية العربية لقضية الجنوب بأبعادها التاريخية والسياسية بهذا النطاق من الشفافية في طرح قضية مازال هناك (تعمد) في تغييب أبنائها في الظهور الإعلامي فعلى الرغم من أن الإعلام أضطر تحت ضغط الحدث أن يستضيف عدد من الجنوبيين إلا أنهم يأتون بهم وكأنهم متهمين في قضية ما ويجري إخضاعهم للتحقيق على الشاشات الفضائية بدلاً من اعتبارهم يحملون قراءة سياسية لقضيتهم، ومع ذلك فأن ما تبادلته النخب الصحفية الخليجية كان مثيراً ليس فقط للاهتمام بل تقاذفته آراء الراشد والرميحي والعجمي ككرة من لهب أصابت ثوب الكويت وأحرقت طرفاً منه بقصد أو من غير قصد.

في مقال الأستاذ عبدالرحمن الراشد (الجنوبيون ومؤتمر جدة) تجنب لمِا يجرؤ البعض على أن يطرحه علانية، ففيما تضمن المقال مسوغات الحق الجنوبي في الانفصال تضمن معارضة أشد للحق في الانفصال، ما لم يجرؤ الراشد على كتابته هو المخاوف الضمنية من أن يؤدي انفصال الجنوب عن اليمن إلى انفجار الخزان البشري في الشمال إلى خارج اليمن مما يضر الإقليم العربي من خزان بشري على الجنوب أن يتحمله نيابة عن البشرية كلها ويقضي حاضره ومستقبله مع شعب لم ولن بخرج من القرون الوسطى التي مازال يستدعيها في زمن تغيرت الدنيا ومفاهيمها إلا مع هذه الكتلة البشرية المتعصبة.

لكل حدث إفرازاته فكيف بحرب كـ “عاصفة الحزم” فهذه حرب لها إفرازاتها على كل الأصعدة والمستويات، وهي جاءت على خلفية تراكمات تاريخية بدأت بغزو الشمال للجنوب في العام 1994، وفي تلك المرحلة من التاريخ العربي كان للملك الراحل فهد بن عبدالعزيز والشيخ زايد آل نهيان يرحمهما الله والرئيس المصري حسني مبارك مواقف مازالت محفورة في التاريخ السياسي اليمني شماله قبل جنوبه لأنها رفضت الغزو وفرض الوحدة بالقوة وذهب السعوديين إلى ما هو أبعد من ذلك إلى الضغط على مجلس الأمن الدولي بإصدار قراراته (924 ـ 931) دون أن تتضمن ذكر الوحدة حتى لا يستخدمها نظام صنعاء لقتل المدنيين الجنوبيين.

وبرغم تلك المواقف المشهودة استباح الشمال الجنوب وكان الجنوبيين أول الشعوب ضحية لفتاوى التكفير قبل أن تولد داعش وقبل أن يخرج تنظيم القاعدة الذي كانت اليمن حاضنة ومازالت حاضنته وحاضنة الفكر المتطرف الذي يدفع ثمنه الجنوبيين وحتى الشماليين قتلاً واغتيالاً في مشاهد إرهاب ورعب ارتبط بها اليمن من بعد أن استقطب نظام صنعاء وحلفاء من الإخوان الالاف من الأفغان العرب في تلك الحرب المدمرة.

الجنوبيون وحدهم استبقوا الشعوب كلها فكان الحراك السلمي من عام 2007 يخرج ضد نظام صنعاء بينما كان الإعلام العربي يغمض عيناه عن قضيتهم، وحتى عندما جاء ما يسمى الربيع العربي كان الجنوبيين يحتشدون في عدن والمكلا يطالبون العالم بالنظر في قضبتهم التي اختزلت في مؤتمر الحوار الوطني بمعالجات لا تليق بقضية سياسية واختزلت في شخص عبدربه منصور هادي وكأنه ولي على الجنوب وقضيته السياسية.

ما لا يجرؤ أحد على طرحه أن الاستحقاق السياسي الجنوبي تضاعف مع سنوات الحرب التي وثقت بالدم السعودي والإماراتي تراب كل شبر من أرض الجنوب وكذلك أرض اليمن، فمن عدن إلى شبوة وحضرموت ومأرب والحديدة وصعدة كانت الدماء الجنوبية تتسابق مع دماء السعوديين والإماراتيين دون أن يتردد جنوبي واحد في معركة قطع اليد الإيرانية عن تراب العرب.

لا تحتاج الإمارات ولا حتى السعودية أن يكف المجلس الانتقالي عنهما الإحراج بعد أن أعلن فوراً موافقته الاستجابة لدعوة الرياض بالتهدئة والانخراط في جولة حوار برعاية السعودية، فعلى مدار الربع قرن طرق الجنوبيين أبواب الرياض تقديراً وتكريماً وإدراكاً لدورها وثقلها، العشم وحده لا يدخل هنا أو في أي اختناق كان في تجنيب السعوديين أو الإماراتيين الإحراج فالانتقالي هو الذي قرر أن يحرج نفسه منذ نشأته في مايو 2017 عندما أعلنت موالاته للسعودية والإمارات وألزم نفسه بحظر كل الجماعات الإرهابية حوثيين وإخوان ودواعش والقاعدة على غرار ما اتخذته الرياض وأبوظبي في حربهما على الإرهاب واقتلاعه من جذوره.

الهروب من الاستحقاق الذي فرضته أحداث عدن بالغمز واللمز في هذه الدولة وتلك لا يليق بالنخب الفكرية والصحفية فضلاً عن السياسية، فللقضية الجنوبية حقوقها التي لا يجب أن يتم حشرها في زوايا الغرف المظلمة تحت عناوين لا تلامس الواقع السياسي، ما فرضه الانتقالي الجنوبي هو تغيير معادلات وتبقى المعادلة الأهم في تجميع القوى الجنوبية والشمالية في حرب الحوثيين، بهيكلة الشرعية وتقويمها وتخليصها من الشوائب العالقة بها، فلن تجدي سياسة المؤلفة قلوبهم مع الذين تركوا بيوتهم ومخازن أسلحتهم تحت أشعة شمس صنعاء وهربوا تاركين الجمل بما حمل للحوثيين القادمين من كهوف الجهل والتخلف.