فاروق يوسف يكتب:

هزيمة "النهضة" هي ثورة الياسمين الثانية

لم يعد مقنعا بالنسبة لحركة النهضة أن تختار بين البرلمان وقصر قرطاج موقعا لنفوذها في السلطة. صارت تريد الاثنين معا. فمن غير السيطرة على الموقعين لن تستطيع أن تجر تونس إلى الغرق في مشروعها.

وإذا ما كانت الحركة تعاني من الانشقاقات في داخلها، وهي لا تملك الشعبية التي تؤهلها لعرض نفسها قوة سياسية بديلة لكل القوى السياسية التونسية، فإنها تعرف أن الانتخابات المقبلة هي لحظة مصيرية في وجودها.

فإذا خلصت تلك الانتخابات إلى عدم وصول مرشحها إلى قصر قرطاج وإلى نسبة عادية في البرلمان فإن ذلك سيهددها بالانفجار من الداخل. ذلك لأن النهضويين لم تعد لديهم القدرة على تحمل سلطة راشد الغنوشي إلا إذا صدقت وعوده بالسيطرة على السلطة.

وهو ما يجب أن تدركه القوى السياسية التونسية التي تقف ضد مشروع حركة النهضة الظلامي. فليس ما يقوله الغنوشي عن صلابة حزبه صحيحا. وليس صحيحا حديثه عن نزاهة ذلك الحزب.

صحيح أن قواعد النهضة لم تتمرد علنا بعد، غير أن ذلك لا يعني أن قيادتهم متماسكة فالوضع هش أكثر مما نتصور. هناك تسريبات تؤكد أن حركة النهضة إذا لم تحقق ما يصبو إليه الغنوشي، فقد يبحث قياديون فيها عن مواقع أخرى تكون أكثر نفعا لهم.

أما على مستوى النزاهة فإن الحركة نهبت الميزانية التونسية من خلال التعويضات التي قُدمت إلى مجرمين وأصحاب سوابق من أعضائها بحجة كونهم سجناء سياسيين سابقين. لقد تم الاحتيال على الشعب التونسي تحت شعار الحقيقة والعدالة.

اليوم تقف تونس على مفترق طريق في مسار ثورتها المتعثر. إما أن تنتصر على حركة النهضة التي هي أشد خطرا على حرية الشعب وثروته ومستقبله من نظام زين العابدين بن علي، وإما أن تدفن نفسها من خلال الخضوع لحركة النهضة والتسليم بها باعتبارها قدرا لا مفر منه. وكما أعتقد أن التونسيين بعد ثماني سنوات من ثورة الياسمين صاروا على بينة من أمرهم. ذلك لأن ثورتهم لم تكن عقائدية، ناهيك عن أن حركة النهضة كانت قد كشفت عن وجهها الحقيقي يوم حكمت تونس لثلاث سنوات. لقد سمت الإرهاب جهادا وورطت الشباب التونسي في حملات جهادها المزور.

وبغض النظر عن شعاراتهم فإن النهضويين يضمرون للمجتمع التونسي شرا ينطوي على رغبة في الانتقام، يكمن سببه في هزيمتهم التي منيوا بها بعد ثلاث سنوات من الحكم المطلق. حركة النهضة تستعد لتصفية حساباتها مع الشعب التونسي، وبالأخص مع نساء تونس اللواتي كانت لهن الحصة الأكبر في الانتصار عليها.

واقعيا فإن التونسيين الأحرار يضعون أيديهم على قلوبهم مخافة أن تنتصر قوى الجهل فتضيع يومها تونس. وهو أمر يمكن التحقق منه من خلال التشتت الذي تعاني منه القوى المدنية المعارضة لحركة النهضة. لكن ذلك الواقع المؤسف قد يجر إلى كارثة مصيرية.

تشاؤم المثقفين التونسيين ليس جديدا بالنسبة لي. هو عادة متأصلة فيهم. غير أنني أثق بالحدس الشعبي التونسي الذي هو على تماس مباشر بالحاجة إلى وجود دولة مدنية، كان التونسيون قد شعروا في ظلها بالأمان الاجتماعي والاقتصادي والثقافي منذ أن أسسها رئيسهم المحبوب الحبيب بورقيبة.

راشد الغنوشي بحركته هو عدو تلك الدولة التي صارت العودة إليها مقصدا بالنسبة لغالبية التونسيين بعد أن عاشوا فصولا من الغزوات الهمجية في ظل حكم النهضة.

في حقيقتها فإن حركة النهضة لا تملك مشروعا وطنيا. فهي باعتبارها جماعة دينية لا تعترف بالدولة ولا بالوطن ولا بالمجتمع. لذلك فإن وصولها إلى السلطة يعني تدمير الدولة والوطن والمجتمع معا.

سيكون التونسيون على موعد مع هزيمة لحركة النهضة إن أرادوا فعلا الخروج إلى العصر الحديث.