فاروق يوسف يكتب:

لقاء جدة والحوار بين شرعيتين

ما لم تتمكن الحكومة اليمنية “الشرعية” من استيعابه حتى الآن هو أن المعادلات السياسية القديمة التي أدت إلى انهيار الدولة وسقوطها بيد الحوثيين بعد انقلابهم قد عفا عليها الزمن وتم تجاوزها.

كان تعاون الرئيس السابق علي عبدالله صالح مع الانقلابيين مؤشرا خطيرا يمكن من خلاله التعرف على الخلل الذي كان قد ساهم في تكريس الكثير من الفرضيات الخطأ. ومن المؤكد أن التحالف مع حزب الإصلاح، وهو واجهة إخوانية، قد شكل هو الآخر عبئا شديد الوطأة على إمكانية نمو وعي وطني موحد. ذلك لأن الإخوان بسبب منطلقاتهم النظرية لا يميلون إلى كل ما له علاقة ببناء دولة قوية يحكمها القانون ويسودها مبدأ المواطنة.

لقد قاتل الإصلاحيون دفاعا عن مصالحهم الغامضة. لذلك لا يمكن الاطمئنان إلى مستقبل التحالف معهم. فهم يمنيون بالطريقة التي تحافظ على مصالحهم التي يمكنها أن تتطابق في أيّ لحظة مع مصالح الحوثيين. وليس من المبالغة القول إن حزب الإصلاح هو الوجه الآخر لجماعة الحوثي. لذلك ليس من الحكمة أن تتخذ الحكومة “الشرعية” الموقف نفسه الذي يتخذه حزب الإصلاح من الحوار مع المجلس الانتقالي الجنوبي في لقاء جدة.

أما أن تكون الحكومة “الشرعية” مختطفة من قبل حزب الإصلاح، وهو ما صار واضحا، فإن لقاء جدة لن يفضي إلا إلى مسألة واحدة؛ وهي أن يستمع المتسترون بالشرعية القديمة إلى كلام يمني جديد قد لا يوافقون عليه، ولكنه يعني أن هناك شرعية جديدة ولدت في اليمن. تلك هي شرعية المقاومة التي طرحها الواقع. ذلك واقع لا تعرف عنه الحكومة الشرعية شيئا. أولا لأنها تقيم في الخارج (المملكة العربية السعودية)، وثانيا لأن حزب الإصلاح هو صلتها باليمن وهو الذي يزودها بالحقائق التي يراها مناسبة له.

وإذا ما كانت حكومة عبدربه منصور هادي وحزب الإصلاح قد قررا عدم إقامة حوار مباشر مع وفد المجلس الانتقالي، في لقاء جدة فإنهما قد قدما مسألة إفشال اللقاء على محاولة السعي لإنجاحه من خلال تقريب وجهات النظر.

مشكلة “الشرعية” تكمن في عجزها عن التواصل مع المستجدات التي تشهدها الساحة اليمنية وهي غير قادرة على فهم التحولات التي طرأت على اليمن. فهي تتعامل مع الأمور كما لو أنها لا تزال ثابتة عند اللحظة التي احتل فيها الحوثيون العاصمة صنعاء.

لا تزال عدن بالنسبة لـ”الشرعية” هي العاصمة المؤقتة التي يحق لها أن تقيم على أرضها مؤسساتها الفاسدة والمخترقة من قبل حزب الإصلاح الإخواني بالرغم من أنها، أي الشرعية، لم تمارس مهماتها العملية داخل عدن. ذلك لأن عبدربه منصور ووزراؤه فضلوا البقاء في قصورهم بالسعودية على العمل على أراض يمنية محررة في عدن وغيرها من مدن الجنوب.

ستفضل الحكومة “الشرعية” أن لا تكون مرئية بالنسبة للمجلس الانتقالي الذي بات متمكنا من أصول اللعبة السياسية باعتباره ممثلا لمزاج يمني جديد يقف وراء ولادة شرعية جديدة، هي في حقيقتها نتاج معادلات سياسية جديدة لن تكون الشرعية القديمة قادرة على استيعابها.

وكما أتوقع فإن الجنوبيين سيدافعون عن خيار يمنيتهم بطريقة ستفاجئ الشرعية، ومن خلالها الإخوانيين، الذين يديرون عجلتها.

وعى يمنيو الجنوب أن الحكومة “الشرعية” تستعملهم في حرب لا طائل منها. حرب تريدها أن تستمر إلى ما لا نهاية. وهي حرب عبثية لا يزال شبح علي عبدالله صالح حاضرا فيها من خلال صفقاته التي اتضح في ما بعد أنها كانت صفقات خاسرة.

يضع المجلس الانتقالي أوراقه كلها في لقاء جدة على الطاولة وهو ما لن تقوى على القيام به حكومة ليست لديها سوى صفة صارت لا تتمتع بها، وهي الشرعية.