الحبيب الأسود يكتب:
الإمارات والسعودية: شراكة الخندق الواحد والمستقبل الواعد
كان الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، واضحا في توصيف طبيعة العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية عندما وصفها بعلاقة الشراكة في خندق واحد إزاء التحديات المحيطة. فالموضوع لا يتعلق فقط بالأخوّة والجوار ووحدة الثقافة والتاريخ، ولا هو تعبير عن ترف الخطاب السياسي والدبلوماسي، أو بالمجاملات بين الأشقاء، وإنما هناك مصير واحد تحدد آفاقه دماء مختلطة في معركة الدفاع عن المستقبل، وهذا ما تؤمن به القيادتان ويعيه الشعبان وأصبح معروفا لدى القاصي والداني.
معركة الخندق الواحد لا تهم أمن واستقرار البلدين فقط وإنما استقرار المنطقة ككل، وتأمين مستقبل الأجيال في وجه التحديات والصعاب، ومنها المؤامرات التي تحاك في غرف إقليمية تقودها أطماع التوسع والهيمنة، أو غرف دولية لا تروق لها الديناميكية الجديدة التي تشهدها المنطقة بقيادة سعودية- إماراتية، والتي أكدت إمكانية بناء قدرة ذاتية قادرة على تكريس خيارات استراتيجية مستقبلية وتشكيل مسار مستقل يقطع مع التبعية، بل ويحقق منزلته ضمن خارطة القوى الدولية الصاعدة.
بنظرة بسيطة يمكننا أن نقف أمام تحولات حاسمة يشكّل فيها التحالف السعودي الإماراتي رأس الحربة، وهي تتأسس على مبدأ التحرك الميداني لاستباق التهديدات والتصدي للمؤامرات، وهو ما كان واضحا في خنادق القتال المشترك لتأمين الأمن القومي ضمن تحالف الدفاع عن عروبة اليمن أمام المشروع الانقلابي الحوثي المدعوم من إيران، والتي دفع فيها البلدان أرواح ودماء أبنائهما ثمنا غاليا لتكريس استراتيجية استباقية تنطلق من قراءة دقيقة لمسارات مستقبل كان البعض يريد له أن يكون على حساب العرب، وعلى حساب الدول التي تتبنى قيم الوسطية والاعتدال، خصوصا مع ارتفاع وتيرة الخطاب الديني والطائفي المتشدد.
الموقف الذي عبّر عنه الشيخ محمد بن زايد يؤكد أن التحالف القائم مع السعودية ليس تكتيكيا أو وليد حالة طارئة، وإنما هو نتاج رؤية استراتيجية متكاملة بين البلدين، ويعبّر عن قراءة عميقة للواقع والمستقبل، وللجغرافيا السياسية بمعايير التخطيط المنهجي البراغماتي للتفاعل الإيجابي مع التحولات العالمية الكبرى.
في هذا السياق، يبدو واضحا السعي الإماراتي السعودي لتشكيل مقومات الكيان الصاعد بمختلف مؤهلات القوة الذاتية سياسيا واقتصاديا وعسكريا واجتماعيا وثقافيا، تكريسا لزعامة فعلية قادرة على قلب موازين القوى لفائدتها، وهو ما سيتأكد خلال سنوات قليلة من خلال ما يتم الإعداد له حاليا بشكل يكاد يوميا في غرف التنسيق المشترك بين البلدين، وما يتجسد على أرض الواقع في معركة معلنة ضد الأطماع الخارجية والإرهاب والتطرف والابتزاز والمساس بالأمن القومي الخليجي والعربي.
هذه الزعامة الثنائية يمكن أن نستقرئ عمقها ليس فقط من خلال التحالف القائم للتصدي للانقلاب الحوثي في اليمن، ولكن كذلك من خلال مواجهة مختلف التحديات الأمنية من مضيق هرمز إلى خليج عدن، ومن المحيط الهندي إلى القرن الأفريقي، وصولا إلى رمزية الزيارة المشتركة التي أداها وزيرا خارجيتي البلدين إلى باكستان لإجراء محادثات مع رئيس الوزراء الباكستاني، على خلفية التوترات الأخيرة بين الهند وباكستان، حيث نزل الشيخ عبدالله بن زايد وعادل الجبير من طائرة واحدة، ويدا بيد، ليطرحا بذلك المشهد معادلة دبلوماسية غير مسبوقة في المنطقة العربية من خلال الشراكة بين جناحي قوة إقليمية ودولية صاعدة، في البحث عن حل للأزمة القائمة بين بلدين نوويين كبيرين، معتمدين في ذلك على دورهما الفاعل في المنطقة وعلى علاقاتهما العريقة مع إسلام أباد ونيودلهي.
إن مشهد نزول الشيخ عبدالله بن زايد وعادل الجبير من طائرة واحدة في مطار إسلام أباد، أطاح بالأوهام التي كانت تراود أعداء البلدين، خاصة من محور الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي، والدائرين في فلكه إقليميا، في أن تشهد العلاقات السعودية الإماراتية تصدعات على خلفية الموقف من الملف اليمني، كما أكد مرة أخرى أن التحالف القائم بين البلدين له من العمق ما يحصنه من أيّ إرباكات طارئة، وهو تحالف متجذر في بيئة المصلحة المشتركة لمواجهة مخاطر قد تكون أكبر بكثير من الحسابات الإيرانية التركية، أو العبث القطري، أو التآمر الإخواني.
فنحن اليوم أمام قيادتين تفكران في ما قد يشهده العالم بعد عقود من تحولات في مراكز القرار الدولي، وفي التحالفات الدولية الكبرى، وفي البنى الاقتصادية والاستراتيجية الكبرى ضمن منظومات التكنولوجيات المستقبلية والذكاء الاصطناعي والطاقات البديلة والصراع على الفضاء والتغير المناخي وحروب الماء والغذاء والمعادن النادرة.
ومن الطبيعي أن يتم تحصين المستقبل وآفاقه، والقوة المشتركة الصاعدة وطموحاتها، بهذا الوقوف في خندق واحد كما وصفه الشيخ محمد بن زايد، لأن فصيلة الدم المشترك تكفي للإشارة إلى عمق المشروع المشترك بين بلدين ينظران معا نحو أفق واحد.