فاروق يوسف يكتب:

قطر في ذهابها وإيابها بين شائعات الأمل

سيكون من الصعب إحياء الوساطة الكويتية من أجل حل الأزمة القطرية قبل البحث في أسباب فشل تلك الوساطة. كما أن حلا مريحا ومقنعا بالنسبة لكل الأطراف لا يمكن التوصل إليه إلا من خلال تفكيك عناصر تلك الأزمة وتفحّصها بطريقة نزيهة.

وإذا ما آمنا أن تلك الأزمة ليست مستعصية الحل إذا ما توفرت النوايا الحسنة والصدق في المواجهة، فإن ذلك يعني أن أي حل لا بد أن ينبعث من رغبة صادقة ومبيّتة في الإنصات لدى الأطراف كلها بعضها إلى البعض الآخر، من غير اللجوء إلى المماطلة والمراوغة والإخفاء والتعلّل بأمور، هي ليست من صلب القضية.

عبر السنتين الماضيتين حاولت الدوحة أن تتملص من أي مسؤولية، يمكن أن تضع على عاتقها أسباب الأزمة التي سعت إلى تصويرها باعتبارها نوعا من المؤامرة الخارجية، وهي محاولة للتعلّق بأذيال الوهم بدلا من رؤية الحقيقة بكل تفاصيلها.

في كل المفاوضات مع الجماعات الإرهابية كانت قطر وسيطا مؤتمن الجانب بالنسبة للإرهابيين

وإذا ما كانت دول المقاطعة الأربع قد عبّرت منذ البدء عن وجهة نظرها من خلال تسليط الضوء على الأسباب التي دفعتها محرجة ومضطرة إلى اتخاذ موقف المقاطعة الصارم، فإن الدوحة لم تفنّد تلك الحجج، بل إنها لا تتطرق إليها، لا في التصريحات الرسمية ولا في إعلامها.

لقد قدّرت الدوحة أن الهجوم هو أفضل وسائل الدفاع. لذلك فقد دخلت في سجال عقيم من طرف واحد، ركزت فيه على موضوعات لا علاقة لها بما طرحته دول المقاطعة من أسباب. موضوعات كالسيادة الوطنية واستقلال القرار السياسي وحرية التعبير وسلامة نظام الحكم. وكلها أمور لا أحد يختلف مع الدوحة في شأنها. تقديرات الدوحة الخاطئة هي التي أفشلت الوساطة الكويتية.

أما حين تعلق الدوحة آمال مواطنيها على إحياء تلك الوساطة الميّتة، فإن ذلك يعني واحدا من أمرين. إما إنها تسعى إلى وضع القطريين العاديين على سكة أمل، هم في الحقيقة يرغبون في أن لا تنقطع. وهو ما يطلق عليه في وسائل الدعاية بـ”صناعة الأمل”. وإما أنها تطمح إلى إقناع أولئك المواطنين بأن الأطراف الأخرى هي التي تفشل تلك الوساطة التي لا تزال تتمسك بها.

غير أن شائعات الأمل كما يبدو قد تمكنت من العقل السياسي القطري بحيث صارت أجهزة الدعاية التابعة للنظام توحي بأن حل الأزمة صار قريبا وما هي إلا مسألة وقت ليعود كل شيء إلى طبيعته.

لقد انطوى السلوك الدعائي الرسمي على إيحاء مبطّن بأن هناك مفاوضات سرّية قد جرت بين قطر ودول المقاطعة وتكللت بالنجاح، وأن الوساطة الكويتية ستكون مجرد واجهة رسمية للإعلان عن نهاية الأزمة.

عبر السنتين الماضيتين حاولت الدوحة أن تتملص من أي مسؤولية، يمكن أن تضع على عاتقها أسباب الأزمة التي سعت إلى تصويرها باعتبارها نوعا من المؤامرة الخارجية

وبعد أن كذّبت المملكة العربية السعودية تلك التسريبات المغرضة صار واضحا أن دولة قطر لم تغادر الموقع الذي كانت فيه عند نشوب الأزمة. وهي لم تتغيّر في حين تبقى مصرّة على أن تغير دول المقاطعة وجهة نظرها التي لم تتعامل الدوحة معها بطريقة جادة. كل ذلك لا يدعو إلى التفاؤل.

وهو ما يجب أن يكون القطريون العاديون على بيّنة منه. وليس من باب التحريض القول إن المال القطري قد تم هدره عبر السنوات التسع الماضية في عمليات، كان الغرض منها دفع المنطقة إلى هاوية لا قرار لها من الفوضى والخراب والانهيار والتمزّق. ولست هنا في حاجة إلى الدخول في تفاصيل ما جرى لليبيا وسوريا لإثبات وجهة نظري.

في كل المفاوضات مع الجماعات الإرهابية كانت قطر وسيطا مؤتمن الجانب بالنسبة للإرهابيين. كما أن موقف قطر من التحول الذي شهدته مصر يؤكد أن دفاعها عن جماعة الإخوان لا يمتّ بصلة إلى حرية التعبير، بل هو تدخل مباشر في شؤون دولة أخرى. لذلك فإن على القطريين أن لا يتوهموا أن هناك نهاية لعزلتهم عن محيطهم العربي ما لم تراجع حكومتهم سياساتها التي كانت سببا للأزمة.