فاروق يوسف يكتب:

موهبة التأثر بالآخرين

“ما لا أعرفه من عالم الرسم أكثر بكثير مما أعرفه”، تلك حقيقة أعترف بها لنفسي كلما زرت معرضا استعاديا لفنان أو فنانة عالمية كبيرة لم يسبق لي أن رأيت أعمالهما. عزلة العالم العربي عن العالم جعلتنا نقع في هوّة عميقة من الجهل الذي يبدو أكبر من أن نتمكن من استدراكه.

أتذكر أن أحد الأصدقاء كان قد حدثني قبل عقود عن انهماكه في تأليف كتاب عن رامبرانت، وحين سألته عن عدد المرات التي رأى فيها أعمال ذلك الفنان، أخبرني بأنه لم ير عملا أصليا واحدا في حياته. لقد سحره رامبرانت من خلال الصور التي رآها في الكتب فقرّر أن يؤلف كتابا عنه. تلك واقعة هزلية تدعو إلى البكاء.

فعلى سبيل المثال كان الإسباني تابيس واحدا من أكثر المؤثرين في الانقلاب التقني الذي شهدته سبعينات القرن العشرين في العالم العربي في ظل حقيقة أن معرضا واحدا لم يُقم لتابيس في أي مدينة عربية. كانت صور أعمال تابيس هي مصدر الإلهام البصري.

وذلك لا ينفي أن عددا من فنانينا كانوا قد وقفوا أمام أعمال ابن برشلونة، ولكن نسبة ذلك العدد لا تمثل شيئا بالمقارنة بمن صار تابيس بالنسبة إليهم أيقونة مقدسة.

تذكّرت ذلك فيما أنا أتجوّل بين لوحات الرسامة الأميركية لي كرسنر (1908/1984) وهي زوجة الرسام الشهير جاكسون بولوك. وقد يكون مفاجئا إذا ما قلت إن كرسنر أكثر أهمية من زوجها وأعمالها هي ذات قيمة جمالية تجعلها تقف في الصف الأول من فناني التعبيرية التجريدية.

لم أكن قد رأيت عملا لها، وأعترف بأني لم أسمع بها، وذلك دليل على جهلي. لو أن رسوم كرسنر وصلتنا لتغيّرت أساليب رسامينا.

أنا متفائل. ذلك لأن التأثر هو الآخر في حاجة إلى موهبة عظيمة تفرّق بينه وبين التقليد. تلك موهبة كان رسامونا الكبار يمتلكونها. وهو ما ينبغي أن نتعلّمه.