فاروق يوسف يكتب:
قطر في متاهة وساطاتها
أعادت النكسة التي مُنيت بها الوساطة القطرية بين الولايات المتحدة وحركة طالبان إلى الأذهان العديد من الأسئلة التي تتعلق بالدور الذي تلعبه قطر في مجال الإرهاب. في مقدمتها “هل هي ضده أم معه؟”.
مجرد طرح ذلك السؤال يكشف عن نوع من الالتباس سببه السلوك السياسي القطري الملغز الذي لم يطلق حتى هذه اللحظة إشارة خطر لدى القوى الدولية التي تحارب الإرهاب، وفي مقدمتها الولايات المتحدة.
لقد رضيت الإدارة الأميركية بأن تكون قطر وسيطا بينها وبين حركة طالبان الأفغانية التي تعتبرها جماعة إرهابية. ذلك ما عزز ثقة القطريين بسلوكهم السياسي الذي اعتبرته دول عربية بأنه نوع من دعم الإرهاب على مستويات مختلفة، مادية ومعنوية. فهل انطلق الرضا الأميركي من سياسة عملية مؤقتة، يُراد منها اللجوء إلى البوابة التي تحظى بثقة الجماعات الإرهابية؟
نظرت الدوحة إلى الاتفاق الذي يمكن أن تتوصل إليه الولايات المتحدة وطالبان من جهة كونه نصرا لها باعتباره اتفاقا تاريخيا ما كان من الممكن أن يتحقق لولا جهودها. ولو لم يلغ الرئيس الأميركي دونالد ترامب لقاءه الذي كان مبرمجا في كامب ديفيد مع قادة الحركة لكانت قطر قد تحولت إلى منارة لكل إرهابي في عالمنا المعاصر.
عبر وساطتها كان من الممكن أن تقع معجزة سلبية مضمونها لقاء زعيم أكبر جماعة إرهابية بزعيم أكبر دولة تقود حربا على الإرهاب الذي سبق له وأن ضربها في عقر دارها. وكانت تلك الضربة هي السبب المباشر الذي تذرعت به الولايات المتحدة لغزو أفغانستان وإسقاط نظام طالبان الذي سيطر على الحكم عام 1994.
في أوقات سابقة نجحت قطر في وساطاتها مع الإرهابيين، حزب الله في لبنان وجبهة النصرة في سوريا والميليشيات الإيرانية في العراق، مستعملة المال من أجل إغراء الإرهابيين ودفعهم إلى إطلاق رهائن. غير أن مشروع وساطتها هذه المرة لا يتعلق بعملية صغيرة، محدودة النتائج. لا لأن المسألة تتعلق بمصير دولة هي أفغانستان فحسب، بل وأيضا لأن طرفي المعادلة يقف كل واحد منهما في أقصى المعادلة الخاصة بالإرهاب.
طالبان وهي جماعة دينية متشددة لا تزال مصرة على ممارسة الإرهاب، والولايات المتحدة التي رفعت منذ سنة 2001 راية الحرب على الإرهاب وصارت مفردات تلك الحرب جزءا من البرنامج الانتخابي لكل رئيس أميركي جديد.
طرفان متشددان جمعتهما قطر على مائدة واحدة، وكاد الاتفاق التاريخي بينهما يخرج إلى العلن لولا أن الرئيس الأميركي أحبط المخطط القطري حين قرر عدم المضي إلى النهاية. فهل حدث ذلك لأن الجانب الأميركي اكتشف أن هناك خطة تهدف إلى انصياعه لمطالب طالبان في مقابل تسهيل رغبته في سحب قواته من غير أن يبدو ذلك كما لو أنه هزيمة؟
أتوقع أن القطريين لعبوا بالمشاعر الأميركية بطريقة بدائية.
ربما أعاد الأميركان النظر في حساباتهم، فاكتشفوا أن انتصارا طالبانيا مبرمجا في مقابل انسحابهم غير المدوي من أفغانستان سيقلل من قيمتهم العالمية وهو أمر مؤكد. غير أن المؤكد أيضا أنهم لم ينظروا بثقة إلى نزاهة الدور القطري، لذلك أُلغيت المفاوضات من غير أن يكون للوسيط القطري علم بذلك.
وإذا ما التفتنا إلى قطر، فإن لغز وساطاتها مع الجماعات الإرهابية، وهي محطتهم الدائمة، إنما يكشف عن رغبتها في تطوير الحاجة إليها باعتبارها ممرا إلى العالم السري. وهو ما يمكن أن ينطوي على علامات استفهام كثيرة. فبغض النظر عن ثرواتها وعلاقاتها المتشبعة بقوى الضغط السياسي تبقى قطر دولة صغيرة، محدودة التأثير في محيطها الإقليمي. وهي لا تملك سوى أن تنفق أموالا على جماعات إرهابية متفرقة بين أنحاء العالم العربي.
غير أن العقل السياسي القطري يفكر بطريقة مختلفة.
نظر القطريون إلى الاتفاق التاريخي بين الولايات المتحدة وحركة طالبان باعتباره مخرجا دوليا من الأزمة التي يعانون منها في محيطهم العربي. وهي نظرة ساذجة دعمت أسباب عزلتهم.