فاروق يوسف يكتب:

ماذا بعد العدوان الإيراني على السعودية؟

قصفت إيران المنشآت النفطية السعودية. أليس ذلك اعلانا للحرب؟ بعد ذلك الإعلان لم يعد الحديث عن حرب بالوكالة مقبولا. لكن ما الذي يمكن أن يفعله المجتمع الدولي في مواجهة ذلك العدوان؟

في أسوأ الأحوال ومن أجل تفادي وقوع حرب مدمرة يمكن للمجتمع الدولي أن يتشدد في اجراءاته العقابية من غير أن يخفي علمه بأن الحرب التي شنت على السعودية تقصد الاضرار به أساساً.

فليس من مصلحته أن يتعطل جزء من صادرات النفط وليس من مصلحته لاحقا أن ترتفع أسعار النفط في الأسواق وهو ما يلقي بظلال كئيبة على الأوضاع الاقتصادية لدول مستفيدة من انسيابية أسواق النفط.

ولأن إيران تعرف ما تفعل ولأن العالم يعرف أن إيران مدركة لحجم الخطر الذي تمثله فإن رد الفعل العالمي ينبغي أن يكون بحجم الفعل. وهو ما تنبهت له دولة مثل المانيا وهي التي لا يتحمل اقتصادها اليوم أي اهتزاز خارجي يمكن أن يزيد من حالة كساده.

لذلك فإن الطريقة التي يفكر من خلالها الإيرانيون في حل أزمتهم لن تكون مناسبة. ذلك لأن التوقيت قد يخونهم وهو ما لا يملكون السيطرة عليه. كما أنهم لا يملكون سوى الاعتداء على دول لم تعتد عليهم من أجل أن يضروا بالاقتصاد العالمي وفي ذلك انما يجربون وسائل شريرة للوصول إلى هدف، يعرفون أن وصولهم إليه قد بشكل خطرا عليهم.

كان الهدف من العدوان الأخير على السعودية الاضرار بالاقتصاد العالمي وتعطيل عجلة الطاقة. ولكن في المقابل ما الذي فكر فيه العقل السياسي الإيراني من جهة رد الفعل العالمية؟

يقدر الإيرانيون أن الحرب لن تكون هي الخيار المفضل بالنسبة للولايات المتحدة والغرب من خلفها. ليس بسبب الخلاف على الاتفاق النووي بل بسبب تعكر المزاج السياسي العالمي بعد حربي أفغانستان والعراق. ولكن فطنتهم خانتهم من جهة أن ما يمكن أن تجره أفعالهم عليهم من كوارث، قد تكون أسوأ من كوارث الحرب.

كانت إيران تأمل في أن تكون فرصتها في التفاوض أفضل حين تضع خطرها على الطاولة ولكنها لم تفكر في أن تكون أفعالها سببا في أن تطول المسافة بينها وبين التفاوض. الغباء السياسي الإيراني تجلى في أكثر صوره وضوحا من خلال قصف المنشآت النفطية السعودية.

لقد صار على الآخرين أن يفكروا في السبل المتاحة لوضع إيران في قفص أشد احكاما، بحيث لن تستطيع من خلاله تكرار فعلتها. وما حلمت به إيران لن يكون جزءا من المفاوضات التي ستذهب إليها صاغرة.

خُيل إلى البعض أن العالم تخلى عن السعودية حين لم يعلن الحرب على إيران. ذلك استنتاج ليس صحيحا. فالحرب هي آخر الخيارات. وهي الشر الذي يمكن تفاديه إذا ما كان بلوغ الأهداف ممكنا من دونه.    

وإذا ما كانت إيران تحارب لتشعل حربا في المنطقة فإنها لن تتمكن من انقاذ نفسها من خلال وكلائها. ذلك لأن النار التي ستحرقها ستحرق وكلاءها قبلها. وهو ما يجعل الخصوم يطبخون على نار هادئة.

سيكون على إيران أن تنتظر ما يمكن أن تسفر عنه ردود العالم بعد أن تثبت عليها الجريمة. فما فعلته هذه المرة يختلف كل الاختلاف عن حماقاتها الصغيرة السابقة حين حاولت أن تفجر بقنابل محدودة التأثير ناقلات نفط في المياه الدولية.

لا أعتقد أن أحدا من سياسيي إيران كان يعول على أن تمر الكذبة الحوثية على العالم بأقماره الصناعية التي تعمل على مدار الساعة. بل قد تكون تلك الكذبة مجرد وسيلة لكسب الوقت.

ولأنهم قد اعتقدوا أن قصف المنشآت النفطية السعودية هو خيارهم الأخير في لفت أنظار العالم إلى أزمتهم فإنهم لابد وأن استعدوا للحرب. تلك الحرب التي توهموا أنهم من خلالها، بغض النظر عن نتائجها، سيتمكنون من الحصول على اعتراف المجتمع الدولي بحقهم في الهيمنة على المنطقة.

وهو أمر بعيد المنال.

ذلك لأن تلك الحرب مثلما تخيلها الإيرانيون لن تقع. غير أن العقاب سيكون أسوأ بنتائجه.