نهى الصراف تكتب:
الزاوية الميتة
أكثر من مرّة، فشلت صديقتي في اختبار قيادة السيارة بسبب إهمالها للتعليمات التي تؤكد على ضرورة النظر جيداً إلى جميع المرايا قبل الانتقال من نقطة إلى أخرى خاصة في لحظة انطلاق الرحلة. في المحاولة الخامسة، كانت حريصة على تتبع جميع التفاصيل لكنها أخفقت مجدداً حيث لم تتحقق جيداً من الزاوية الميتة التي تقع في نقطة ما على يمين السائق.
كانت تحاول خداع مراقب الاختبار متظاهرة بتحريك رأسها مراراً باتجاه جميع المرايا الموجودة، متحاشية النظر إلى جهة محددة حتى وقعت في الخطأ، خطأ ظنته بسيطاً وتافهاً.
يقول أهل الاختصاص بأن الزاوية الميتة أو النقطة العمياء، هي تلك المساحة التي لا يمكن مراقبتها من خلال المرايا المثبتة على جانبي السيارة، ولكي تتم السيطرة عليها يضطر قائد السيارة إلى إمالة رأسه وكتفه بزاوية حادة وبسرعة محسوبة باستخدام عينه المجردة، للتأكد من خلو الطريق الجانبي من المارة أو السيارات ليتلافى قدر الإمكان وقوع حادث غير متوقع، وكأن جميع الحوادث متوقعة!
في الآونة الأخيرة، تم اعتماد إضافات فنية أدرجت ضمن تصميم بعض السيارات الحديثة، حيث يراعى تجهيزها بكاميرات خاصة تمكن السائق من حسم هذه الإشكالية والتعويض عن القصور في عمل المرايا الجانبية والمرآة الخلفية، التي يغيب عنها أحياناً التقاط زاوية ميتة قد يكمن فيها خطر محدق لا يمكن تلافيه.. حتى مع قدرة قائد السيارة ودرجة احترافه القيادة. إلا أن هذا النوع من السيارات الحديثة ليس في متناول الأشخاص من ذوي الدخول المتواضعة، وهم الأغلبية طبعاً.
نعتمد أحياناً على حدسنا في تدبير أمورنا خاصة عندما نقود مركبة أيامنا على طريق غير مستقيم مليء بالحفر والأحجار. بعضنا لا يمتلك سوى سيارة قديمة متواضعة التصميم، قديمة ومنهكة لا تقوى على مطبات الطريق المفاجئة، بعضنا لا يمتلك سوى قدمين متعبتين لا تتحملان وعورة الطريق وبعضنا لا يهوى السير في الشوارع المظلمة ولا من مصباح يضيئها. في كل الأحوال، يتعين علينا الدخول في التجربة حيث نقطة النهاية مرسومة سلفاً ولا يمكن تلافيها.
مع ذلك، نهمل أحياناً النظر إلى زاوية ميتة تخبئها لنا مصادفة ما على طريق الحياة، زاوية لا يمكن ملاحظتها بسهولة من خلال المرايا التي تظللنا كهالة.. فبعض المرايا عمياء تخفق في الإحاطة بكامل المشهد، وربما تجمعت فيها بعض الخدوش أو تكسرت حواشيها بفعل الزمن والطريق الطويل.
نعيش أيامنا فلا نملك غير مؤونة وهم وحلم ساذج، مطمئنين لسلاسة الطريق ووضوح الرؤية. وحتى في أحلك المسالك ندّعي قدرتنا على إضاءة العتمة فنضع ثقتنا في براعة المرايا الجانبية والخلفية التي نمتلك لتجنب حوادث الطريق، في حين تكمن المفاجآت في لحظة خاطفة، نقطة عمياء تنبثق من زاوية ميتة، سرعان ما تتلقفنا وسط الطريق مثل فخ مموه متى ما تكاسلنا عنها.. وقعنا في المحظور.