فاروق يوسف يكتب:
ضياع الإرث الفني
حين يُقام معرض استعادي لرسام مهم مثل بول سيزان، فإن محتويات ذلك المعرض يمكن استعارتها من المتاحف العالمية التي تملك أعمال الرسام الفرنسي.
هناك كلفة ومشقة غير أن الأمر ممكن. بدليل أننا نشهد بين حين وآخر معارض استعادية لفنانين كبار من أمثال فان غوخ وكليمت ومونيه وروثكو وآخرين.
أما لو فكرت مؤسّسة فنية عربية على سبيل المثال بإقامة معرض استعادي للمغربي الجيلالي الغرباوي أو الجزائري محمد راسم أو المصري راغب عياد أو العراقي جواد سليم أو السعودي عبدالحليم الرضوي أو الفلسطيني إسماعيل شموط، فإنها ستضطر إلى نشر إعلان تدعو فيه العوائل التي تمتلك أعمالا للفنانين من أجل السماح لها باستعارتها. وهو ما لا يمكن أن يؤدي إلى الغرض المطلوب. ذلك لأن تلك العوائل قد لا تثق بتلك المؤسّسة أو أنها لسبب أو آخر لا ترغب في أن يشاركها أحد في ممتلكاتها الخاصة.
وذلك يعني أن جهدا عبقريا وخلاّقا لقرن من الزمان ضاع من غير أن يكون هناك أمل في استعادته. ولم يكن ذلك الجهد العظيم ليضيع لولا أن حياتنا الثقافية كانت دائما سائبة ومفتوحة للصوص الذين انتحلوا مختلف التسميات ليستبيحوا كنوزها وليحصلوا من خلال المتاجرة بتلك الكنوز على ثرواتهم. وإذا ما عرفنا أن فنانا عربيا واحدا لم يخرج من هذه الحياة الفانية بثروة، يمكننا تقدير حجم الثروات التي نتجت عن أعماله بعد وفاته.
أتذكر جيدا أن العراقي شاكر حسن آل سعيد كان يبيع لوحاته بمئات الدولارات في الوقت الذي كان سماسرة الفن يبيعونها بعشرات الآلاف.
لقد ظُلم الفنانون. ذلك أمر مؤكد. غير أن المؤكد أيضا أن مصير الفن في العالم العربي هو الآخر كان قد سُلّم إلى الضياع. وتلك هي الكارثة.
ليس من باب التحدي إذا ما قلت أن متحفا مهما للفن العربي الحديث، مثل متحف الدوحة، لن يقوى على استعادة تراث فنان مثل محمد القاسمي الذي لم تمر على وفاته إلاّ سنوات.