فاروق يوسف يكتب:
قطر في مصيدة الجماعات الإرهابية
حين شعرت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين وجمهورية مصر العربية باليأس من إمكانية أن يتراجع النظام القطري عن سياسته الداعمة للإرهاب والتي تشعر أنها تضر بها وتقوض الأمن في المنطقة، قطعت العلاقات الدبلوماسية مع دولة قطر وقاطعتها.
أُتخذ ذلك القرار مشفوعا بأسبابه التي كانت واضحة.
يومها قالت الدول العربية الأربع “هذا ما لا نريده لقطر”، ولا أجد هنا مسوغا لتكرار مطالب الدول الأربع التي تتعلق كلها بدعم وتمويل الإرهاب والترويج له إعلاميا.
ولأن الدوحة لم تنف صلتها بالجماعات الإرهابية المسلحة، فقد وجدت في تلك المقاطعة مناسبة لتوسيع شقة الخلاف بينها وبين الدول الأربع من خلال انهماكها في البحث عن الوسائل التي تستطيع من خلالها تصيد المواقع التي تتمكن من خلالها إلحاق الضرر بالدول الأربع، والعمل على تعميق صلتها بالجماعات التي صنفتها تلك باعتبارها جماعات إرهابية.
صارت تنفق أموالا هائلة لأسباب كيدية متسمرة في تنفيذ أجندتها.
دخلت الدوحة في سباق لا معنى له. ساحل هنا وجزيرة هناك، وما بينهما جيش من المرتزقة يمكن أن يخرب حياة مدينة. هو ما يكشف عن سلوك لا يمتُّ إلى السياسة بصلة. وهو بعيد كل البعد عن النية الحسنة في إعادة الأمور إلى طبيعتها.
ما هو مؤسف في السلوك القطري هو تماديه في عدوانية لا مبرر لها سوى محاولة فرض سلطة الجماعات الإرهابية على مجتمعات سقطت في هاوية الفوضى.
إن تركنا الصومال جانبا، لأنه بلد صار محطة للتدخلات الخارجية المتعددة، يمكننا أن نتساءل “ما الذي تفعله قطر في جنوب اليمن؟” لا أريد أن أدخل في التفاصيل ولكن قطر كانت جزءا من التحالف العربي المساند للشرعية هناك. وهو ما يتناقض مع ما تقوم به اليوم حين تمول فصائل، لا غرض لها سوى إدامة الحرب.
ذلك جانب من المشكلة التي تطرح السؤال الذي يتعلق بالهدف الذي تسعى قطر إلى الوصول إليه. ما الذي تريده دولة قطر من خلال دعمها للإرهاب؟
لقد تم تدمير دولتين هما سوريا وليبيا بتمويل منها. فهل تخطط لتدمير اليمن؟
ذلك ما يمكن لقطر أن توضحه من خلال جلسات الأمم المتحدة.
وليس من المستبعد أن تتخذ قطر من إيران نموذجا لها في دبلوماسية تعتمد الكذب والخداع والتضليل من أجل التغطية على وقائع، صارت بمثابة حجج دامغة لم ينف القطريون من خلالها علاقتهم بالجماعات الإرهابية التي هي بالتأكيد لا تقع ضمن دائرة العمل الخيري الذي وجدوا فيه مناسبة للقيام بتحويلات مالية ذهبت إلى حساب جماعات مشبوهة، وهو ما انتبهت إليه الأجهزة الأمنية في بريطانيا وصارت تتّبع خيوطه.
وكما يبدو فإن قطر تستثني الجماعات الإرهابية التي تدعمها من تهمة “الإرهاب” الذي تدعي أنها تساهم في محاربته. فلا طالبان من وجهة نظرها جماعة إرهابية، ولا جبهة النصرة، ولا حزب الله، ولا الميليشيات العراقية التي سبق لها وأن زودتها بمبلغ يقارب المليار دولار هي الأخرى جماعات إرهابية.
وليس من باب الصدفة أن يعلن أمير قطر في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عن دفاعه عن الميليشيات التي تحارب ضد الجيش الوطني الليبي في موقف يتنافى مع المنطق السياسي السليم.
ليس من الصواب اتهام الرجل بأنه يدافع عن شيء لا يعرفه.
فالسياسة القطرية تقوم أصلا على تبني “حق” الجماعات الخارجة على القانون في تدمير دول وتمزيق مجتمعات. وما قاله أمير قطر أمام العالم يعدُّ اعترافا علنيا بذلك.
السلام من وجهة نظر قطر لن يتحقق في المنطقة إلا إذا استولت أحزاب وجماعات الإسلام السياسي على مقاليد الحكم في عدد من الدول التي سقط فيها الحكم الوطني بسبب استبداده.
تلك نظرية إيرانية تبنتها قطر بعد أن احتضنت التنظيم العالمي للإخوان المسلمين. وهو ما لن يبتعد عنه خطابها الرسمي بغض النظر عن شبهة الإرهاب التي لا تزال تعتبرها شبهة مائعة.
غير أن ما لا يدركه القطريون أن التاريخ لا يُكتب بالطريقة التي يحاولون من خلالها تزييفه. هناك حقائق أكبر منهم ولا تنفع المليارات في تغييرها. أما حلمهم في أن قطر دولة كبيرة فهو عبارة عن حرب خاسرة ضد الجغرافيا.