فاروق يوسف يكتب:
الوزيرة والمؤرخة المحتفى بها
سعدت بفوز الشيخة مي بنت محمد آل خليفة بجائزة مؤسسة سلطان العويس للإنجاز الثقافي والعلمي. فالمرأة التي عُرفت بشغفها بالبحث التاريخي في مناطق إشكالية مهمة وألفت الكثير من الكتب التي يمكن النظر إليها باعتبارها مراجع مضادة، تدير منذ سنوات واحدة من أهم المؤسسات في البحرين، هي هيئة البحرين للثقافة والآثار، وفي الوقت نفسه، فإنها تمارس دورا تنويريا من خلال مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة.
ولأن آل خليفة تعرف أن الإنجاز الثقافي هو ما يبقى تاريخيا، فقد حرصت على أن تقدّم بلدها الصغير باعتباره كنزا ثقافيا نادرا ينبغي أن يحظى برعاية عالمية. وهو ما جرى من خلال إدراج موقعي “قلعة البحرين” و”طريق اللؤلو” ضمن لائحة مواقع التراث العالمي.
الملهم في شخصيتها أنها لم تفصل بين شغفها الخاص ووظيفتها في خدمة الشأن الثقافي العام. فهي موظفة لدى المفكرة التي تحرص على أن تقول الحقيقة التي قد تؤلم. تعمل كما لو أنها تدير ورشة عمل ثقافية هدفها يكمن في بناء جسور ما بين ماض ينبغي تلمس الطريق إلى إشعاعه وبين مستقبل هو دليل مرورنا بالحياة.
لذلك فإن ما أنجزته آل خليفة على مستوى الكتابة والبحث التاريخي وعلى مستوى الخدمة الثقافية العامة يمكن اعتباره نوعا من تحدي الزمن من خلال الحاضر. ذلك لأنها وضعت حياتها كلها في خدمة مشروعها الحي. وهو مشروع أقامت أسسه على مبادئ نقدية متحرّرة من الشروط والمعايير الجاهزة.
هذه امرأة تدافع عن حريتها في التفكير الذي يناقض القناعات الجاهزة، وهي في الوقت نفسه تستميت في الدفاع عن حق الجمال في أن يفرض قوانينه على اليومي والعابر من العادات الاجتماعية ذات الصفات الثقافية.
إنها رسولة ثقافة حية في مجتمع، تعرف أنه يتّسع للكثير من الجدل الثقافي. لذلك أسعدني فوزها بجائزة مؤسسة سلطان عويس. من خلالها تكسب الجائزة شيئا من مصداقيتها ونزاهتها. وهو ما صرنا نفتقده في الجوائز الثقافية الأخرى.