فاروق يوسف يكتب:

لعنة الفساد والعنف في العراق

ما الفساد؟ ما الإصلاح؟ سؤالان هما جوهر الخلاف في العراق. وهما يشغلان في الوقت نفسه حيزا مهما في تفكير الطرفين المتصارعين. الحكومة والشعب. غير أن لكل طرف منهما طريقته في التفكير في الفساد والإصلاح. وهو ما يعني أن هناك اختلافا في التعريف. فليس الفساد الذي يدعو الشعب إلى محاربته هو الفساد الذي تعد الحكومة بمحاربته كما أن الإصلاح الذي تدعو إليه الحكومة لا يدخل في دائرة تفكير الشعب.

إنها أحجية سيكون من الصعب حل الغازها.

الحكومة تفكر في شيء فيما الشعب يفكر في شيء آخر.

المعنى العميق يكمن في مَن هم الفاسدون؟

الحكومة تطارد أشباحا وهميين لا يقيمون في العراق لا يعرفهم أحد فيما يطارد الشعب اشخاصا بعينهم هم سبب الوباء الذي أصيبت به البلاد من غير أمل في العثور على علاج له.

المسافة عظيمة بين الشعب والحكومة ولا يمكن اختصارها. فالحكومة لا ترى فسادها فيما الشعب يرى أن كل شيء في الدولة فاسد.

السلطات الثلاث فاسدة. الوزارات فاسدة. الإدارات المحلية فاسدة. حتى أن الفاسدين أفسدوا العشائر فالعشائر هي الأخرى فاسدة. اما المرجعية الدينية فإن ثراءها كان عنوانا لفسادها.

لقد صنعت الدولة العراقية أثرياء من العدم على حساب شعب تم افقاره. تلك إذاً دولة فاسدة. وهي دولة فاسدة لأنها لا تتمكن من حصر الفساد في منطقة بعينها والقضاء عليه.

لقد طغى الفساد على نواحي الحياة ومن شدة اشتباكه بها صار من الصعب التفكير في إزالته إلا من خلال اسقاط الدولة التي ترعاه وتنعشه وتقدم له كل أسباب الاستمرار والنمو والديمومة. وهو ما فكر فيه المحتجون حين لم يكتفوا بالمطالبة بإسقاط الحكومة بل طالبوا بإلغاء المشروع السياسي الذي تستند إليه الدولة وهو مشروع يقوم على أساس نظام المحاصصة الطائفية والحزبية الذي هو عبارة عن عملية تقاسم للغنائم بين الفاسدين.

ولأن الحكومة تقيم داخل دائرة الفساد فإنها لا تراه. الامر الذي يحول بينها وبين التعرف عليه مجسدا في صورة أشخاص بعينهم بالرغم من أن السياسيين كلهم ومن غير استثناء يعترفون بوجوده.

هناك فساد. نعم. هذا ما يعترف به السياسيون. ولكن من هم الفاسدون؟ ذلك ما يختلفون عليه حين يبرئون أنفسهم منه وينظرون بريبة إلى جهة مجهولة.

لا يسعى السياسيون إلى اقصاء خصومهم المتهمين من قبلهم بالفساد لأنهم غير واثقين من أن أولئك الخصوم لا يملكون القدرة على اقصائهم. لذلك تبقى المعادلة قائمة وتبقى عمليات نهب المال العام مستمرة من غير أمل في أن يتمكن أحد ما من رؤية الطريق التي تقود إلى البدء بإجراء اصلاح حقيقي يخرج الاقتصاد العراقي من متاهته.

الصورة مظلمة والخروج من النفق يبدو عسيرا بل ومستحيلا في ظل استمرار نظام المحاصصة.           

لقد اكتفت أطراف العملية السياسية بالاعتراف بأن هناك فسادا. اما ما هو ذلك الفساد وما هي صوره وأين يقع ومن هم الأشخاص الذين يمارسونه. كلها أسئلة لا يقترب منها أحد.  

هناك فساد من غير أن يكون هناك فاسدون.

في المقابل هناك اصلاح من غير أن يتولاه اصلاحيون.

معادلة تقود إلى أن يقوم الفاسدون بالإصلاح من غير أن يتعرفوا عليه. لذلك تبقى الوعود المقدمة من قبل الحكومة معلقة مثل ثياب غير صالحة للاستعمال، لأنها صممت من أجل أن لا يرتديها أحد.

سيكون من الصعب والحالة هذه أن لا نتوقع تجدد التظاهرات المحتجة على لعنة الفساد التي أصيب بها العراق. كما أن العنف هو الحل الذي سيلجأ إليه الفاسدون في ظل عدم تحرك المجتمع الدولي للمطالبة بالتحقيق في عمليات القتل التي طالت المئات من الشباب العراقي المحتج.

تمكن الفساد من العراق وما من سبيل للتخلص منه سوى العنف.

تلك لعنة أخرى.