فاروق يوسف يكتب:

غابة الحياة المعاصرة

كان في إمكان الفنان البحريني الشيخ راشد آل خليفة أن يستمر رساما. إنها الحرفة التي درسها وأجادها ووصل من خلالها إلى قمة التعبير الإنساني منتشيا بوجوده من خلالها.

كما أن متعته رساما كانت جلية من خلال أعماله الفنية بحيث يحسده عليها كل مَن رأى تلك الأعمال. غير أن الرجل اكتفى. شعر بأنه اكتفى. أيعني ذلك أنه شبع جمالا ولم يعد يعنيه أن يكون صنيعه الفني جميلا مثلما يحلم الفنانون؟

سيكون من الصعب التعليق على ذلك فالمسألة أشبه بإزاحة جبل الجليد لرؤية ما تحته. ربما أزاح آل خليفة الرسم ليرى ما تحته. ذلك الجمال الذي يخفيه والذي لا يظهر من خلاله. ربما فكر في الانتقال إلى مكان آخر يكون فيه أكثر تصالحا مع نفسه.

المؤكد أنه صار يضيق بخيال يديه الملوثتين بالأصباغ فلجأ إلى خيال عينيه اللتين وجد أن في إمكانهما أن تصمّما أشكالا لن تكون مستلهمة من الطبيعة.

يومها انتقل من تقليد الطبيعة باعتبارها مصدر إلهام إلى الصدام معها من أجل حثها لأن تكون أكثر إنصافا. وجد نفسه في المنطقة التي يمكن من خلالها أن يكون مهندس خيال لحياة مجاورة تعتمد على القيام بنزهة بصرية، يخرج منها المرء كما لو أنه غادر حلما سيظل يتحكم بطريقته في النظر إلى الأشياء.

الفن بالنسبة لآل خليفة ليس الآلة التي تنتج جمالا مدهشا بل هو طريقة مدهشة في النظر إلى العالم. يعدنا ذلك الفن بأن نتحرّر من طريقتنا الجاهزة في استعمال حواسنا. كما أنه يوسّع من قدرتنا على تأمل ما يحيطنا من أشياء.

إنه يعيدنا إلى الطبيعة، لكن بطريقة مضادة. وهي طريقة تنطوي على الكثير من الاحتمالات التي تشكّل أساسا لتقنيات النظر. فمن المدهش أن نقوم برحلة في غابة هي عبارة عن ممرات شكّلتها أسلاك حديدية لا تنفي صلتها بالأشجار التي يمكن النظر إليها كما لو أنها جزء من الماضي.