فاروق يوسف يكتب:

أردوغان قاتلا في مغامرته السورية

حين أعلن رجب طيب أردوغان عن رغبته في تأسيس ما يُسمى بـ”الجيش الوطني السوري” كان واضحا أنه يريد استعمال تلك الميليشيا العميلة في أغراض مريبة خاصة بمصالح تركيا داخل الأراضي السورية.

أما حين طالب الرئيس التركي بإقامة منطقة عازلة تمتد إلى عمق 30 كيلومترا داخل الأراضي السورية بحجة إيواء اللاجئين السوريين الذين ضاقت بهم تركيا، فإنه كان يخطط لإقامة ما يشبه الدويلة تكون بمثابة قاعدة تستقر فيها تلك الميليشيا شبيهة بدويلة سعد حداد في الجنوب اللبناني التي كانت تُدار وتموّل من قبل إسرائيل.

لم ينجح أردوغان في وقت سابق في إقامة المنطقة الآمنة بسبب معارضة الولايات المتحدة وروسيا، غير أنه نجح بعد سحب الولايات المتحدة لقواتها من شمال شرق سوريا في أن يزج بالجيش الوطني السوري في مجازر ارتكبت ضد السكان المدنيين تذكر بمجزرة صبرا وشاتيلا التي ساهمت فيها عناصر من جيش لبنان الجنوبي.

يشرف أردوغان على المجازر التي ترتكب شمال سوريا كما أشرف أرييل شارون على مجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982. كان شارون قد قاد جيشه لاحتلال بيروت من أجل أن يحارب “الإرهابيين الفلسطينيين”، وها هو أردوغان يقود جيشه ليحتل جزءا من الأراضي السورية من أجل مطاردة الإرهابيين الأكراد.

في الحالين الحجة واحدة والضحايا مدنيون، وفي الحالين لا يتم قتل المدنيين عن طريق الخطأ بل وفق خطة مدروسة من أجل إشاعة جو من الترويع والرعب بهدف تهجير أكبر عدد ممكن من سكان القرى والبلدات التي استطاع الجيش التركي الاستيلاء عليها بعد إزاحة قوات سوريا الديمقراطية عنها.

ومن المؤكد أن أردوغان كان مستعدا لردود فعل المجتمع الدولي الغاضبة والمنددة بغزوته، لذلك خاطب أوروبا بلغة سوقية قائلا “إذا اعتبرتم عمليتنا العسكرية احتلالا فإننا سنرسل المهاجرين إليكم”.

أكراد سوريا لم يهددوا أمن الدولة التركية. كما أنهم لم يقوموا بأي عملية عسكرية يؤكدون من خلالها تضامنهم مع أشقائهم أكراد تركيا

سيكون على أوروبا أن تجد حلا مناسبا لمكانتها في مواجهة الابتزاز الأردوغاني الذي لم يعد جديدا. فالأمر لا يتعلق بعملية عسكرية بل بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وإذا ما كان الرئيس الأميركي قد تعامل مع ما يجري شمال سوريا بخفة من جهة كون الأكراد مسؤولين عن حماية أنفسهم، فإن تلك الجرائم تزيح عن الأحداث طابعها العسكري لتكسبها طابعا إنسانيا.

هناك مجازر بشعة ترتكب في الشمال السوري بغطاء عسكري تركي. سيقول أبردوغان في نطاق الدفاع عن نفسه “سوريون يقتلون سوريين. فما علاقة تركيا؟” متناسيا أن القتلة السوريين وهم عملاؤه ما كان بإمكانهم أن يمارسوا جرائمهم لولا الحماية التي وفرها لهم جيشه.

لقد تم قتل هفرين خلف، الأمينة العامة لحزب سوريا المستقبل، في الطريق الدولية بين ريف الحسكة وريف الرقة من قبل عملاء تركيا السوريين من غير أن تكون المرأة التي تحتلّ منصبا سياسيا تحمل سلاحا كما جرت إبادة المئات من السوريين في بيوتهم.

أردوغان يستعيد مجد أجداده في إبادة الأرمن. غير أنه لا يدرك أن الزمن اختلف. فما جرى أيام أجداده ومرّ من غير عقاب لا يمكن أن يمرّ في عصرنا من غير أن يوضع في مواجهة القانون الدولي. لا تنفع أردوغان أي حجج يمكن أن يستعملها في تبرير جريمته.

فأكراد سوريا لم يهددوا أمن الدولة التركية. كما أنهم لم يقوموا بأي عملية عسكرية يؤكدون من خلالها تضامنهم مع أشقائهم أكراد تركيا.

نزهة أردوغان العسكرية المكللة بالدم السوري لا يمكن تفسيرها إلا من خلال العودة إلى صراعاته الداخلية التي تلعب فيها الأحزاب الكردية دور الخصم الشرس الذي لا يمكن استمالته أو كسر شوكته.

أكراد سوريا وعربها من سكان الشمال يتعرضون للذبح المنظم بسبب عقدة أردوغان الرئاسية التي انتقلت به من مرحلة الكذب إلى مرحلة تكون فيها الجريمة بمثابة دعاية انتخابية له.