فاروق يوسف يكتب:

متى تنتهي صلاحية النظام السياسي في العراق؟

عام 2003 وبعد احتلالهم العراق شرع الاميركان في إقامة نظام سياسي على انقاض الدولة التي اعلنوا عن تفكيك أوصالها.

كان ذلك إيذانا بتركيب دولة جديدة كان النظام السياسي واجهتها وسبيلها إلى مخاطبة العالم، كونه الجزء السليم الوحيد منها.

كانت صورة العراق المفكك قد تشكلت في الذهن الأميركي، كونه بلاد الملل والنحل الذي لا يمكن السيطرة عليه إلا من خلال غواية مكوناته.

كان المال هو مادة تلك الغواية.

فكان نظام المحاصصة الطائفية في حقيقته مسوغا لتبرير تقاسم ثروة العراق التي هي ثروة الشعب بين الأحزاب الممثلة لما سُمي في الدستور الجديد بـ"المكونات العراقية". وهي تسمية أريد من خلال تكريسها تثبيت جدران العزل التي تشير إلى تمزق المجتمع العراقي.

منذ تلك الوصفة الأميركية المسمومة وحتى اللحظة الراهنة لا تزال الأحزاب التي أولاها الأميركان ثقتهم وكانت بمثابة ترجمان لمشروعه تمارس "حقها" في نهب الثروات من غير أن تلتفت إلى واجبها في إعادة بناء الدولة التي من شأن قيامها أن يؤدي إلى اعمار البنية التحتية المدمرة والنهوض في مستوى الخدمات الذي يكاد أن يقترب من الصفر.

ما يجري على أرض الواقع يمكنه أن يشكل كارثة أخلاقية غير مسبوقة في عالم السياسة. فالطبقة السياسية صارت عبارة عن مجموعة من "المافيات" التي تدير عمليات فساد مالي منظم هي أشبه بثقب أسود يبتلع كل ما يحصل عليه العراق من أموال جراء تصدير النفط.

لذلك يبدو العراق وهو الثري بنفطه كما لو أنه دولة فقيرة، الجزء الأكبر من شعبه يعاني مشكلات الفقر والعوز والفاقة وتنتشر البطالة بين شبابه كما تدهور فيه قطاعا التعليم والصحة إلى مستوى ينذر بتلاشيهما إضافة إلى أن خدمات البنية التحتية كالكهرباء والماء الصالح للشرب ومجاري الصرف الصحي تقترب من الاندثار بالرغم من أن الأرقام تشير إلى عشرات المليارات التي أنفقت ورقيا عليها.

كل هذا فعله سياسيو ما بعد 2003 العراقيون ولم يفعله الأميركان أو الإيرانيون الذين خلفوهم في الولاية على العراق. 

لقد انتج الأميركان نظاما سياسيا فاسدا، بل لا يمكنه سوى أن يكون فاسدا. ذلك لأنه أقيم على أسس ليست نزيهة. فالعراق الذي تم اختزاله إلى طوائف وأعراق تمثلها أحزاب دينية وعشائرية هو ليس العراق التاريخي الذي كدح أبناؤه في بنائه منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة بداية عشرينات القرن الماضي. لقد ألقى الأميركان بتجربة الشعب العراقي في بناء دولته المدنية إلى العدم من أجل أن يمكنوا حفنة من الفاسدين واللصوص والمزورين وقطاع الطرق والافاقين والمتسولين من الإثراء على حساب الشعب العراقي.

لم يكن الأميركان غافلين هما فعلوه.

كانت لجنة من خبراء الاقتصاد الأميركان قد أكدت أن الفساد الذي شهده العراق أيام حكم نوري المالكي لم تشهده البشرية منذ خلق آدم. ومع ذلك فإن المالكي استقبل في الكونغرس الأميركي وكاد الرئيس أوباما أن يقول "إنه رجلنا في العراق".

أعتقد أن الأميركان حين تحدثوا عن الديمقراطية كانوا يقصدون شيئا آخر بالنسبة للعراق. فـ"العراق الديمقراطي" صار يقتل أبناءه المتظاهرين سلميا بالرصاص الحي. ولأن الولايات المتحدة لم تحتج على ما جرى في شوارع المدن العراقية فإن القتل سيستمر. الطبقة السياسية تدافع عن مصالحها في مواجهة شعب أذله الفقر.

وصلنا إلى القتل. هل هناك مستوى أدنى؟

أعتقد أن صلاحية الاستعمال قد انتهت منذ سنوات بالنسبة لسياسيي العراق. لقد صاروا مجرد واجهة للجريمة. ارتكبت الميليشيات الإيرانية جريمتها في قتل المتظاهرين غير أن المجرم الذي يجب أن يواجه العدالة هو عادل عبدالمهدي وحكومته.

آن الأوان للتغيير. ولن يكون التغيير هذه المرة إلا بإرادة شعبية لن يكون للأحزاب الحاكمة محل فيها. وهو ما يمكن أن يستغرق زمنا غير أنه لابد أن يقع.