علي قاسم يكتب:

حتى لا ينتهي الاستثناء اللبناني

من سوء حظ اللبنانيين أن عصر الوصاية الاستعمارية انتهى في اليوم الذي أعلن فيه الرئيس الفرنسي شارل ديغول الانسحاب من الجزائر.

كان ديغول قد اقتنع، منذ مدة، بحتمية استقلال الجزائر، فبدأ في وضع وتنفيذ مشروع تحت عنوان “الجزائر الجزائرية”، رأى فيه البعض محاولة لفرض نوع جديد من الاستعمار تحت اسم جذاب. فرنسا لم تقطع أيضا وجودها في لبنان، ولكن كما في الجزائر، فشلت العلاقة بين الطرفين، وفشل معها المشروع الجذاب.. من يريد أن يتحمل عبء دولة فاشلة؟

اليوم، بات “الاستثناء اللبناني”، مهددا بالانتهاء، والسبب هو حزب الله، الذي يتحمل مسؤولية الأزمة التي يعيشها البلد؛ بسببه واجه لبنان عقوبات خارجية على أنشطته المالية، وبسببه أيضا سيطر القلق على المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال.. من يريد أن يستثمر في بلد تتحكم في قراراته الميليشيا؟

اليوم يحتاج لبنان إلى عشرة مليارات دولار على الأقل، لتجديد ثقة اللبنانيين في المهجر، الذين لم يبخلوا في دعم الاقتصاد على مدار عقود، واختاروه دون أي مكان آخر لإيداع أموالهم في مصارفه.

الخليجيون، وعلى رأسهم السعودية، التي لم تبخل يوما في تقديم الدعم للبنان، باتت هي الأخرى تطالب بيروت بتلبية شروط تهدف إلى إضعاف نفوذ حزب الله وإيران. ولم يعد مطلب التحجيم مقتصرا على الجهات الخارجية، بل أصبح مطلب الشارع اللبناني.

ويشهد الشارع اللبناني “انتفاضة”، رغم تراجع الحكومة عن فرض ضرائب جديدة في موازنة العام المقبل، شملت الاتصالات المجانية خاصة، وأدت إلى انتفاضة سماها البعض “ثورة الواتساب”، تمسك المحتجون فيها بمطلب إسقاط النظام. ولم ينفع الـ”حل المطمئن”، الذي وعد به الرئيس ميشال عون، عبر حساب الرئاسة على “تويتر”، هو الآخر في تهدئة الشارع.

الناس بدأت تثور ضد الطائفة والدين، ووصل الحد إلى الدعوة لحكومة عسكرية. ولكن الرسالة لم تصل إلى حزب الله وأمينه العام حسن نصرالله

وكان رئيس الحكومة سعدالدين الحريري قد طلب مهلة 72 ساعة من المحتجين “لتقديم حل يرضي الشارع والمجتمع الدولي”، قدم بعدها مبادرة أبرز بنودها أن يكون العجز صفراً في موازنة 2020، وأن يتم إيجاد حل لأزمة الكهرباء خلال شهر واحد، بالإضافة إلى فرض ضرائب على المصارف، والحصول على دعم منها بنحو 3 مليارات ونصف المليار دولار.

لم يتلق المحتجون وعود الحريري بإيجابية، بل رأى البعض أن الرهان عليها هو رهان على أن تعيش الأسماك على البر.

الناس بدأت تثور ضد الطائفة والدين، ووصل الحد إلى الدعوة لحكومة عسكرية. ولكن الرسالة لم تصل إلى حزب الله وأمينه العام حسن نصرالله، الذي ألقى خطابا هزيلا، قال فيه إن “الناس لا يمكنهم تحمل رسوم وضرائب جديدة”، وإن “المشكلة ليست في الحكومة، بل في المنهجية المتبعة”. واعتبر أنه “إذا اتخذت الحكومة الحالية، وأي حكومة، إجراءات عملية، وعالجت الهدر والفساد، ودمجت مؤسسات، ووفرت الكثير من النفقات، تنتهي الأزمة”.

الشارع لم يصفق لنصرالله، الذي لم يقدم ما هو مفيد وجديد، وفسر الماء، بعد صمت وتفكير عميق، بالماء. بل على العكس استحق غضب الشارع، ومباشرة بعد انتهاء الكلمة هتف متظاهرون تجمعوا في ساحة رياض الصلح وسط بيروت “كلّن يعني كلّن.. نصرالله واحد منّن”.

اليوم، لبنان أقرب للأزمة المالية من أي وقت مضى، ويتحدث السياسيون عن حاجة البلد لـ”صدمة كهربائية”، فالقليل الباقي من الرصيد المالي لم يعد يكفي، حسب وزير الخارجية جبران باسيل، لنهاية العام. حيث تبلغ قيمة الديون المطلوب سدادها في ذلك التاريخ نحو 6.5 مليارات دولار.

وبات لبنان مهددا، إن لم يحصل على دعم مالي من الخارج، باحتمال تخفيض قيمة العملة، أو حتى التخلف عن سداد ديونه في غضون أشهر.

ماذا يمكن فعله قبل ذلك اليوم؟ وأي “صدمة كهربائية” يمكن أن تنقذ لبنان من الإفلاس الكامل؟

أمام لبنان ثلاثة خيارات، خيار الحريري ليس واحدا منها.. الخيار الأول، معجزة.. أن تتراجع الدول المانحة عن موقفها، وتغدق على لبنان مزيدا من المنح والقروض، وأن يعود اللبنانيون في الخارج، إلى تحويل مدخراتهم للمصارف داخل لبنان. هذا لن يحدث، لا يوجد من يقامر على حصان متعب، والحصان اللبناني أكثر من متعب.

الخيار الثاني، أيضا معجزة، أن يستفيق حزب الله وأمينه العام، من أوهامهما، ليصبح ولاؤهما للبنان، وليس لإيران. وأن تحل الميليشيات المسلحة، ويتوقف الحزب عن النظر لنفسه “دولة داخل دولة”. وهذا لن يحدث أيضا، لأن الحزب وأمينه العام يتصرفان وفق أوامر عليا مقدسة، تأتيهما من طهران، على أنها رسائل سماوية لا يصح التشكيك فيها.

الخيار الثالث، بدأ اللبنانيون بتنفيذه يوم خرجوا إلى الشارع ونادوا: كلهم، بمن فيهم نصرالله، “برّه..”.

هل سينجح اللبنانيون في إنقاذ لبنان؟ لا يوجد حاليا جواب على ذلك، ولكن المهم أنهم بدأوا وقالوا ما قاله التونسيون في ثورتهم “ديغاج”.