احمد عمر بن فريد يكتب ل(اليوم الثامن):

أغرب حوار في التاريخ !

اذا تمعنت جديا في مضمون الحوار الذي يدور ولا يدور حاليا ما بين وفد المجلس الانتقالي الجنوبي من جهة وفريق الشرعية اليمنية في المملكة العربية السعودية من جهة أخرى , من حيث النتائج المرجوة , ونوعية الأهداف الاستراتيجية التي يتأمل مفهوم " الأمن القومي العربي " إنجازها منه , ستجد نفسك امام حالة تكاد تكون استثنائية في تاريخ الحوارات السياسية !

  وحينما نقول هذا الكلام فنحن لا نقوله مبالغة ولا تحيزا ولا حتى هو نوعا من أنواع الابتزاز السياسي , وانما نتحدث بمنطقية تامة تستند على حسابات سياسية متماسكة تماما تضعنا عمليا امام هذه الحالة التي ذكرت , فمن جهة نجد ان الهدف الرئيسي لعاصفة الحزم يتمثل في هزيمة المشروع الإيراني ومنعه من تحقيق أي تواجد فعلي له في اليمن وهو الأمر الذي تحقق في الجنوب العربي بسرعة فائقة عطفا على مستوى الفعالية القتالية للمقاتل الجنوبي مستفيدا من حجم الدعم العسكري الكبير للعاصفة وامكانياتها الهائلة في حين ان شيئا من هذا القبيل لم يتحقق بذات القدر او حتى قريبا منه في أي محافظة شمالية ! ولا اقل دلالة على ذلك ان أحدا ما ,لا يستطيع اليوم ان يقول أن هنالك محافظة شمالية واحدة قد تم تحريرها بنسبة 100 % . واذا كانت هذه المعلومة تمثل حقيقة دامغة ولا يمكن لأحد ان ينكرها , فمن الغرابة جدا الا تغضب أحدا في الشرعية اليمنية , وهي حقيقة تتحول الى عار كبير حينما نجد ان القوات المسلحة لما يسمى بالجيش الوطني اليمني تتدافع باتجاه الجنوب المحرر !

     واذا ما اردنا الوصول الى صلب الغرابة التي قلت انها تكتنف الحوار وخطورة ما يمكن ان يتمخض عنه على الأمن القومي الخليجي عطفا على محتوى التسريبات وعلى حجم الضغوط التي تمارس على وفد المجلس الانتقالي الجنوبي لتقديم تنازلات تستهدف تحقيق مكاسب سياسية للشرعية اليمنية , فعلينا ان نضع بعض الحقائق امام اعيننا مباشرة للامساك بعناصر الخطورة التي نتحدث عنها , والتي يأتي في مقدمتها ان هذا الحوار يستهدف بالضرورة تمكين الشرعية اليمنية من الجنوب العربي كأرض أولا , ثم القضاء على القوات المسلحة الجنوبية كهدف ثاني , ومع أن الحقيقة الدامغة تقول ان حزب الإصلاح الممثل الحقيقي لجماعة الاخوان المسلمين هو الذي يسيطر على الشرعية اليمنية ويديرها بذكاء ومهارة منقطعة النظير , فان ذلك يعني طبيعيا ان السيطرة على الجنوب حتى وان كانت باسم وتحت غطاء الشرعية فهي ستكون في حقيقتها لصالح تنظيم جماعة الاخوان المسلمين التنظيم السياسي الذي يضعه التحالف العربي من حيث الخطورة في نفس درجة خطورة الحوثيين والمشروع الإيراني !! فكيف بنا والحوار يستهدف تمكينه من الجنوب ! اليس في ذلك نوعا من الغرابة غير المسبوقة !

   في المساحة الجغرافية للجنوب العربي التي يسيطر عليها المجلس الانتقالي المنسجم تماما وبنسبة 100 % مع متطلبات الأمن القومي الخليجي والذي بوجوده يلغي أي تأثير او وجود للمحورين الإقليميين الخصمين للتحالف العربي وهما محوري ( قطر – تركيا ) + ( قطر – ايران ) سنجد ان أي اتفاقية مجحفة في حق المجلس الانتقالي الجنوبي  ستمنح تلقائيا الشرعية لهذين المحورين بالتواجد في الجنوب عبر الشرعية اليمنية , الأمر الذي يعني فتح الباب على مصراعيه لهذين المحورين بالدخول والتواجد في الجنوب عبر البوابة التي تفتح شرعيا برعاية " التحالف العربي " ..!! وكأننا بالتحالف العربي يفرط في كل هذه المساحة الجغرافية للجنوب والتي هو يهيمن عليها ليشارك بها خصومه مجانا وبلا مقابل , وفي نفس الوقت يضع نفسه في حالة تنذر بأن يخسر حليف وثيق وهو المجلس الانتقالي الجنوبي وشعب الجنوب كله ! الذي سيجعل من بلاده حقول تشتعل بالنيران رفضا لمثل هذه النوعية من الاتفاقيات حتى لو فرضت علينا بالقوة  .. اليست هذه المسألة غريبة وغير مسبوقة اذا ما تمت بالكيفية التي تحدثت عنها ؟! .. نعم .. هي كذلك مع الأسف الشديد.

   الشرعية اليمنية تسجل بتركيبتها ومحتواها حالة نادرة في تاريخ التحالفات السياسية , نظرا لأنها تتواجد في قلب وحاضنة تحالف عربي هو الأول من نوعه في حين انها في مآلاتها الأخيرة تنزع الى تحقيق اهداف استراتيجية مغايرة تماما , ستتكشف لاحقا في مرحلة التمكين حينما يعتقد التحالف انه قد انتهى من تحقيق مهامه ليكتشف انه قد صنع بيدية وامكانياته خصم عنيد آخر ومنحه صكا شرعيا في التواجد في المنطقة الخطرة التي قامت الحرب من اجل تطهيرها , بل انه من غير المستبعد بعد ذلك ان ينسج هذا الطرف الذي تبناه التحالف العربي تحالفا استراتيجيا مع الحوثي ليتمكن المحورين الإقليميين من اليمن ككل بطريقة مشرعنة وقانونية ! 

نسخة مع التحية لمن يهمه الأمر...                                               أحمد عمر بن فريد