علي قاسم يكتب:

هل يفجر سد النهضة حرب مياه؟

عندما يتعلق الأمر بأزمة المياه نجد دائما أن نسبة المتشائمين تعادل نسبة المتفائلين، فالتقارير والدراسات متضاربة، وتثير من الغموض أكثر مما تقدم من معلومات، بينما يوظف الإعلام الجدل لصالحه بنشر مواد مثيرة يعنونها بأسلوب “القيامة الآن”.

إذا صدقت التقارير يكون بيننا وبين أي حرب ستنشب لهذا السبب عشر سنوات، حيث تنبأ بعضها دخول منطقة الشرق الأوسط في صراع حول المياه، وحدد العام 2030 موعدا لحدوث ذلك.

البيانات الصادرة عن الأقمار الصناعية، كشفت عن فقدان احتياطات المياه العذبة في أجزاء كبيرة من منطقة الشرق الأوسط. خلال سبعة أعوام خسرت الدول التي تتقاسم حوض دجلة والفرات، تركيا والعراق وسوريا وإيران، 144 كلم مكعب من مجموع المياه العذبة، خسارة تعادل كمية المياه في البحر الميت.

وكان تقرير سابق صادر عن الأمم المتحدة قبل ثمانية أعوام، قد أكد أن نصف سكان العالم تقريبا سيعيشون في مناطق خاضعة للإجهاد المائي بحلول العام 2030، وسيكون لندرة المياه في بعض المناطق آثار كبيرة على الهجرة.

وتوقع التقرير أن يصل عدد النازحين بسبب شح المياه إلى 700 مليون نسمة. ويبين التقرير أن 80 بالمئة من أمراض البلدان النامية تعود أسبابها إلى نقص المياه، وتودي بحياة 3 ملايين سنويا؛ خمسة آلاف طفل يموتون يومياً بسبب الإسهال.

مكتب الأمن القومي في الولايات المتحدة، وبطلب من الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، قام بدراسة لمعرفة مدى تأثر الولايات المتحدة بأزمة الجفاف، وانتهى إلى سيناريو قاتم تنبأ فيه بقيام بعض الدول بقطع مياه الأنهار لمنع دول أخرى من استخدامها.

وتوصلت الدراسة إلى أن دولا كثيرة ستخسر قدرتها على تأمين الغذاء، ويصعب عليها إنتاج الطاقة، نتيجة لشح المياه. ووضعت الدراسة دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا الجنوبية على رأس القائمة، وبحسب الدراسة فإن الأمم التي ستعجز عن تزويد شعبها بالمياه، ستسقط مهما بلغت مكانتها الحالية، والدول الفقيرة منها ستقع حتماً في دائرة الحروب الأهلية.

مع الزيادة السريعة لعدد السكان، في الفترة الممتدة بين خمسينات القرن الماضي واليوم، تواجه المنطقة العربية تحديات كبيرة. في سوريا قفز عدد السكان من 3.5 ملايين إلى 22 مليونا، ومن المتوقع أن يتجاوز عددهم 43 مليونا عام 2050. وفي مصر ارتفع العدد من 20 مليونا إلى 85 مليونا، ويقدر أن يصل إلى 125 مليونا في منتصف القرن الحالي، وفي اليمن ارتفع عدد السكان من 4.5 ملايين إلى 25 مليونا، ومرشح ليصل إلى 52 مليونا في حدود العام 2050، والدول الثلاث تعاني شح المياه.

الأردن، الذي يمتلك ثالث أدنى احتياطي مياه في المنطقة، شهد انقطاعات في الكهرباء بسبب نقص المياه. وسبق له أن حذر من حرب على المياه أكثر دموية من الربيع العربي الحالي.

وكانت دولة الإمارات قد تنبهت للأمر مسبقا، وهي تستثمر اليوم في مشاريع كبيرة لمواجهة أي أزمة محتملة في المياه، ونصحت الدول العربية باستثمار ما لا يقل عن 200 مليار دولار لتجاوز تلك الأزمة.

التوترات بين الدول نتيجة شح المياه العذبة، والتي ما فتئت تطل برأسها من وقت إلى آخر، تبرز اليوم بوضوح في الأزمة الأخيرة حول سد النهضة. حيث تحول السد الذي يعد أكبر مشروع طاقة نظيفة في القارة الأفريقية، إلى نقطة خلاف بين مصر وإثيوبيا.

وتخشى مصر من فقدان السيطرة على أهم شريان لحياتها، نهر النيل. “إلا مياه النيل”، رسالة القاهرة الواضحة إلى أديس أبابا، التي رد عليها رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، معلنا استعداد بلاده حشد ملايين المقاتلين إن اقتضت الضرورة للدخول في حرب بسبب السد.

وحسب خبراء تحتاج مصر إلى 40 مليار دولار سنويا لحل أزمة نقص المياه التي تواجهها حاليا، وسيرتفع هذا الرقم إلى 200 مليار دولار سنويا إذا اكتمل إنشاء سد النهضة في إثيوبيا. وسيؤدي نقص 5 مليارات متر مكعب من مياه نهر النيل سنويا، إلى هجرة 20 مليون فرد من الأراضي الزراعية وزيادة استيراد الغذاء من الخارج.

“حرب المياه العالمية”، أحد تلك العناوين التي يرجع إليها الإعلام من فترة إلى أخرى. والآن الوقت أكثر من مناسب لتلك العودة. هناك قلق حقيقي من أن تشعل هذه الخلافات حرب مياه بين مصر وإثيوبيا.

المياه وحدها لم تكن سببا للحرب في الماضي، إلا أن التوترات بشأن إدارتها واستخدامها، تمثل إحدى القضايا الرئيسة في العلاقات بين الدول المطلة على الأنهار، وقد تؤدي إلى تفاقم التوترات، وتزيد من عدم الاستقرار الإقليمي.

من وجهة نظر المتشائمين، فإن حربا قادمة لا محالة حول مياه النيل، إن لم يتم الاتفاق بين الدول العشر التي يعبر النهر أراضيها، واختارت أن تتعامل في ما بينها بأنانية.

أمّا المتفائلون فيرجعون إلى التاريخ الذي يقول إن البشرية لم تشهد حرب مياه بين بلدين منذ 4500 سنة، هي التاريخ المكتوب للبشرية.