محمد الحمامصي يكتب:
الشباب غيروا المسرح المغربي
تعتبر السينوغرافيا من أهم أركان العمل المسرحي، بل هي إطاره الأساسي، من دونها لا يمكن أن نتحدث عن عمل مسرحي. ولكن يبقى إهمال دور السينوغراف والتكامل معه من قبل بعض المخرجين نقطة ضعف كبيرة في أعمالهم. “العرب” كان لها هذا الحوار مع المخرج والسينوغرافي مولاي عبدالعزيز العلوي نتعرف خلاله على رؤاه وتجاربه السينوغرافية والإخراجية وآرائه في المسرح المغربي.
تعد تجربة مولاي عبدالعزيز العلوي مهير السينوغرافي والفنان التشكيلي والمخرج أحد أبرز التجارب في المشهد المسرحي المغربي، بفضل تنوعها وثرائها ونشاطها وحضورها بين مختلف أجيال المسرح المغربي.
على مدى تجربته الفنية قدم مولاي عبدالعزيز العشرات من المسرحيات جمع فيها بين الإخراج والسينوغرافيا وأخرى قدم سينوغرافيتها متعاونا في ذلك مع كتاب ومخرجين من مختلف التيارات المسرحية المغربية والعربية، من بينها سينوغرافيا وإخراج مسرحية “ما أنا إلا بشر” تأليف عبدالإله بن هدار، وسينوغرافيا وإخراج مسرحية “رحلة حنظلة” تأليف سعدالله ونوس، وسينوغرافيا وإخراج مسرحية “قصة حديقة الحيوان” تأليف إدوار أولبي، وسينوغرافيا وإخراج مسرحية “جحا والشرق الحائر” تأليف رجاء فرحات وغيرها.
عمل جماعي
بداية يكشف مولاي عبدالعزيز عن تجليات البدايات وأثرها في تكوينه مخرجا وسينوغرافيا، يقول “اكتشفت ولعي بالمسرح مبكرا. وانخرطت في ما يعرف بمسرح الهواة الذي يعد مشتلا خصبا تخرج منه أغلب مسرحيينا. أتيت إلى مسرح الهواة محملا بكل ما تلقنته من أبجديات الممارسة المسرحية، التي تلقيتها قبل ذلك في دار الشباب. وهنا سألتقي بأستاذي الدكتور إبراهيم الهنائي وبعدد من الشباب الممارس للمسرح بمختلف الأندية والجمعيات من بينهم المخرج عبداللطيف فردوس الذي سأرتبط به، بالإضافة إلى المسرح الهاوي بمسرح الطفل الذي أنجزت بطلب منه وإلى جانبه سنوغرافيا العديد من المسرحيات. ولا بد من ذكر التأثير الإيجابي للدكتور الهنائي كواحد من المسرحيين الكبار الذين زاوجوا بين التكوين الأكاديمي والممارسة العملية، كمخرج ودراماتورج ومكون في مجال المسرح وهو واحد من الذين شكلوا وعيي ورؤيتي في الإخراج المسرحي خاصة وأنه أتى وقتها من باريس محملا بتجربة كبيرة لم يتوان في نقلها إلينا“.
ويلفت المسرحي المغربي إلى أن الفنون التشكيلية هي عشقه الأول، مضيفا “ولعل تلك القوة الغامضة التي حدثتك عنها سابقا هي علمي بأن ‘دار الشباب’ تعطي الفرصة لمن يريد ممارسة الرسم والتشكيل بها وأنها تتوفر على كل الأدوات اللازمة لممارسة الرسم والأعمال اليدوية من أصباغ وأقلام ملونة وأوراق وغيرها. بهذه المؤسسة صقلت موهبتي في التشكيل وبها رسمت العديد من اللوحات الفنية والجداريات وأنجزت أولى ديكورات المسرحيات التي كنا نتدرب عليها ونقدمها في مختلف المناسبات. واكتشفت لاحقا أن كلا من الفنان التشكيلي والسينوغراف يستخدمان نفس الأدوات ونفس المواد تقريبا إلا أن السينوغراف يتجاوز الفنان التشكيلي إلى الاشتغال على المنظور وعلى الكتل والمجسمات، كما يوظف الإضاءة والصور الفوتوغرافية والملصقات والأشرطة المرئية وغيرها من الدعائم التي يمكن توظيفها لخدمة عرض مسرحي معين.. تنصب أساسا على تأثيث فضاء اللعب، إن علاقة الفنان التشكيلي بالسينوغراف علاقة تكامل وغالبا ما ينبهر الفنان التشكيلي بما يوظفه السينوغراف من تقنيات تتجاوز حدود ما تعود استخدامه كرسام”.
الفنان التشكيلي والسينوغراف يستخدمان نفس الأدوات والمواد إلا أن الثاني يتجاوز الأول باشتغاله على المنظور
ويضيف مولاي عبدالعزيز “الجمع بين الإخراج والتصور السينوغرافي يكون أسهل حينما أكون سيد العمل المسرحي، حينها أحاول جاهدا تفسير النص المسرحي من خلال رؤيتي وقناعاتي الفكرية والجمالية مراعيا الإمكانات الجسدية والفيزيقية للممثلين الذين أشتغل معهم، كما أني أفتح معهم النقاش حول الفضاءات التي يرون أنهم بحاجة إليها من أجل أداء سليم لأدوارهم، بعد ذلك أنتهي إلى وضع تصوري النهائي بعد مناقشة مختلف المتدخلين في إنجاز ما تم الاتفاق حوله. أما حينما يكون الاشتغال مع مخرج آخر فإن المسألة تأخذ بعدا آخر وتكون أكثر تعقيدا، فللمخرج تصوره ورؤيته المختلفة والتي ليست بالضرورة قناعاتك كسينوغراف، أنت تحاول الوصول مع المخرج إلى ما يرضيه ويحقق تصوره، لهذا يحاول أغلب المخرجين اليوم الجمع بين الأمرين بينما يتحول السينوغراف إلى مشرف على إنجاز تصورات المخرج السينوغرافية”.
ويشير إلى أنه لا أحد منا يختلف حول فكرة أن المسرح عمل جماعي وبالتالي فعلى السينوغراف أن يختار فريق عمله بكل دقة من مصممي الأزياء وإنجاز الديكور وواضعي تصميم الإضاءة ومهندس الصوت إلى غيرهم من المتدخلين في العملية الإبداعية.
أجيال تتعاقب
يقول مولاي عبدالعزيز “شخصيا أؤمن بطاقات الممثل الجبارة والتي تجعله قطب الرحى في أي عمل مسرحي، فلا أهمية في نظري لكل العناصر السينوغرافية بمعزل عن الممثل الذي يعتبر بحق المحرك الأساسي لكل عناصرها، فالممثل له القدرة على التفاعل مع ما يحيط به من مكونات هذه السينوغرافيا سواء كانت قطعة صماء أو ضوءا منبعثا من زاوية ما، أو صوتا هاتفا من مكان ما. دون تواجد الممثل تستحيل كل عناصرالسينوغرافيا إلى مجرد قطع تصلح أن تعرض في المتاحف وقاعات عروض الفنون التشكيلية حيت تقبع في صمت رهيب.”.
ويرى أن متابعة عرض مسرحي من تصوره الإخراجي والسينوغرافي، يكون من أصعب اللحظات التي تمر به، فمن خلال هذه المتابعة يتم تقييم عمل ومجهود أيام عديدة من التدريب، ومن خلالها يتم تقييم أعمال التقنيين من منجزي الديكور ومصممي الملابس وتقنيي الإضاءة كل حسب دوره الموكول إليه، فإما أن يكون النجاح حليفنا، وإما تكون هناك ملاحظات يجب الانتباه إليها وتعديلها.
ويتابع “الهدف دائما هو تقديم عرض مسرحي راق فكريا وفنيا، وخلال هذه المتابعة أركز بشكل أساسي على الإيقاع الداخلي والخارجي للعرض المسرحي وعلى أداء الممثلين، دون إغفال مدى تفاعل الجمهور مع أحداث المسرحية، فرضى الجمهور عن العمل يعتبر في اعتقادي المقياس الحقيقي لنجاحه أو فشله. لذا أجدني قلقا بنفس مقدار القلق الذي ينتاب الممثل قبل العرض”.
أما عن تقييمه للمخرجين الذين تعامل معهم سينوغرافيا، فإنه يرى أن تجربته مع صديقه المخرج الدكتور إبراهيم الهنائي تبقى مميزة نظرا إلى ما يطبعها من نقاش فكري وفني جاد، ويذكر منها أعمالا اشتغل عليها سينوغرافيا وكانت من تأليفه وإخراجه “من أخبار بن زبيبة” أو “عنترة يبحث عن اسمه”، و“خيوط من فضة”، من تأليف جواد الأسدي وإخراج الدكتور الهنائي، ومسرحية “باي باي جيلو” من تأليف طه عدنان وإخراج الدكتور الهنائي أيضا.
يقول العلوي “أعمال كثيرة أخرى استمتعنا بإنجازها كل في مجاله قبل أن يستمتع بها الجمهور العريض، لذا فإن تجربتي مع الدكتور الهنائي بمثابة شراكة فنية جمعت مخرجا له وزنه بسينوغراف يحمل إلى جانبه نفس الهم الفني وتواطؤا جميلا أفضى إلى تقديم عروض هي إلى الآن خالدة في ذكرى من تابعوها. وهناك تجربة اعتز بها أيضا وهي تجربتي كسينوغراف مع المبدع الفنان عبداللطيف فردوس خاصة حينما قدمنا معا أعمالا جميلة خاصة بالمسرح المدرسي ولعل من أبرزها مسرحية ‘الأسد الضائع‘ التي نالت الجائزة الكبرى بالمهرجان الوطني للمسرح المدرسي بالدار البضاء”.
ويضيف الفنان “جيلنا من المسرحيين وأقصد هنا جيل الستينات والسبعينات والثمانينات، جيل التمرد، جيل كان يطمح كغيره من شباب العالم إلى شجب كل أشكال الظلم والاضطهاد واللامساواة، وقد انعكست هذه الأفكار على مواضيع جل الأعمال الدرامية التي قدمناها في إطار مسرح الهواة. كان الهاجس السياسي هو الأساس وكانت الشعارات الطنانة هي المبتغى، أما الجانب الفني الاستتيقي فكان يأتي في الدرجة الثانية لعدة اعتبارات منها ما هو مادي صرف فرض علينا قسرا تبني المسرح الفقير كأسلوب للتعبير عن الرسائل التي كنا نود تمريرها، ناهيك عن غياب تام لمسارح تضمن مستوى راقيا لهذه العروض ومجهزة بالوسائل الضرورية من إضاءة وتجهيزات الصوت إلى غير ذلك”.
لكن اليوم يرى مولاي عبدالعزيز أن أمورا كثيرة تغيرت إلى الأفضل منذ إنشاء المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، وهو معهد يقوم بالتكوين الأساسي في ميادين المسرح وفنون العرض والتمثيل والإخراج والسينوغرافيا وغيرها من التخصصات، هؤلاء الشباب المتخرجون من هذا المعهد إلى جانب أساتذتهم حاولوا الخروج بالأنماط المسرحية التقليدية المتعارف عليها، إلى فضاء أرحب محاولين وضع هذه الأشكال موضع مساءلة، ومؤسسين لإستتيقا درامية جديدة تواكب مستجدات العصر.