د. علوي عمر بن فريد يكتب لـ(اليوم الثامن):
الصراع العنصري الفارسي ضد العرب!!
حكم الساسانيون مناطق في العالم العربي، وحكموا الشام ومصر واليمن في عام 616م أي قبل ظهور الإسلام بمائة عام، وهو أمر لا يبارح الذهنية الإيرانية. وبعده غزاهم العرب وقوضوا إمبراطوريتهم وأدخلوهم للإسلام. وهذا الأمر يحتل الجزء الأكبر من الذاكرة القومية الإيرانية، فالإيرانيون العلمانيين يرون في العرب والمسلمين سبب كبيراً في تخلفهم مثلما كان أتاتورك يري أن الأبجدية العربية هي سبب تخلف العقلية التركية!!
في حين أن عرب ما قبل الإسلام كانوا قبائل متناحرة، لم ترتق حضاريًا إلى مستوى تكوين شعب (أمة) تحتضنها دولة، ذات هوية جامعة، كان الفرس قد أنجزوا هويتهم الحضارية وتجذّروا في أمة، تجمعها إمبراطورية عريقة، تدين معظمها بالزرادشتية (المجوس)، مما أهّلهم تاريخيًا إلى أن يبسطوا سيطرتهم على القبائل العربية (المناذرة) حتى تمكّن العرب المسلمون من إسقاط إمبراطوريتهم، فشعر رجال السياسة والعلم والثقافة الفرس بالخسران، وراحوا يفتشون عن تحقيق وجودهم في الدولة الجديدة، بعد أن فاتهم الزمن الإمبراطوري إلى غير رجعة، بينما لم يكن هذا الشعور النكوصي، ليعني عامة الفرس الذين لم يخسروا شيئًا، سوى ما ذاقوه من الجوع والإذلال والهوان على يد النخبة الارستقراطية المتعالية على شعبها؛ فانخرطوا في الدين الجديد معولين على دعوات التسامح والتساوي بين الشعوب،
إن العقلية الفارسية الإيرانية فكرة مفادها إقامة إمبراطورية فارسية تمتد من مدينة قم الإيرانية ذات البعد الشيعي الصرف إلى كل الاتجاهات بحيث تضم معظم الدول العربية. لأن العرب يمرون بأسوأ مراحل تاريخهم بضعف قدرتهم على مواجهة التحديات وتفكك العلاقات الداخلية العربية وغياب دور العراق ومصر والسعودية التي بدأت تستيقظ من الخطر الإيراني وتحاول الوقوف كرادع لطموحات إيران التوسعية كل هذا سهل للتوغل الإيراني والتمركز في أهم أجزاء الدول العربية (العراق، سوريا، لبنان، فلسطين، اليمن، البحرين)، في الصراع العرقي (القومي)، الفارسي - العربي فأن كل طرف يرى في نفسه العنصر المتفوق والعنصر الأسمى. ثم الصراع الديني - المذهبي. . وبعد الفتح الإسلامي لبلاد فارس ودخول معظم بلاد فارس للدين الجديد سواء رغبة أو رهبة، بدأ صراع من نوع جديد بين العرب والفرس!!
أنه الصراع الفكري الحضاري بين قوميتين.. صحيح أن العرب المسلمين انتصروا على الفرس عسكريا ولكنهم لم ينتصروا فكريا وحضاريا وقد وصل ذلك الصراع ذروته في العصر الأموي فقد كانت الدولة الأموية (عربية) إن لم نخطأ في التعريف كما وصفها الكثيرون من المؤرخين العرب وغير العرب ومنهم الجاحظ. ولقد تصاعد الصراع حتى اقترب من العصبية الجاهلية وأطلقوا على من ليس عربيا اسم "الموالي" وخاصة الفرس حتى وان دخلوا في الإسلام وذلك لتمييزهم عن العرب!! فلقد تبلور على ساحة الصراع في الدولة العربية الإسلامية في تلك الفترة تياران رئيسيان:
الأول: تيار العصبية العربية: وكان بنو أمية قادة هذا التيار وضربوا عرض الحائط بالحديث الشريف "لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى"!
وقد تمادوا في عصبيتهم إلى درجة أنهم خالفوا تعاليم الإسلام في ذلك!
فتذكر المصادر مثلا منع الحجاج أن تتزوج المرأة العربية المسلمة من مسلم غير عربي!!
ومنع غير العربي أن يصلي أماما وخلفه عربي!!
وقد أدت تلك السياسة (التمييز على أساس القومية) إلى الاحتقان القومي بين العرب والفرس!!
الثاني: تيار التعصب الفارسي: وهؤلاء طبعا من الموالي الفرس الذين تحاملوا على العرب لاحتلال دولتهم، فكرهوا واحتقروا كل ما هو عربي لغة وفكرا وملبسا وعادة. فلم يكن من السهل على الفرس أن يتخلوا عن مجوسيتهم ولم يكن من السهل عليهم أن يخسروا إمبراطوريتهم، وبالتأكيد كان أمرا مؤلما لهم أن تسلب أموالهم وأن تهان كرامتهم وأن تسبى نساؤهم وأن تباع بناتهم في سوق النخاسة العربية وأن تهدى أميراتهم لأبناء العرب.
إنها الطبيعة البشرية.. فأدى ذلك إلى نشوء حركة سميت فيما بعد بــ "الشعوبية"!! وبالتالي أدى إلى قيام الدولة العباسية وبسواعد فارسية
لقد كان للفرس حضور قوي داخل القصور العباسية وذلك بفضل نسائهم، خاصة البرامكة الذين سيطروا على كثير من المناصب في عهد هارون الرشيد الذي أرضعته زوجة يحيى بن خالد البرمكي!
وبعد الرشيد بدأ صراع الأخوة الأعداء الأمين ابن زبيدة العربية الحرة، والمأمون ابن مراجل الفارسية. فمحمد الأمين كان مساندا من قبل العرب وعبدالله المأمون كان مدعوما من قبل الفرس وخاصة من أهالي خراسان حتى استحوذ المأمون على الخلافة وقتل أخيه !!
ورغم ذلك بقي الإيرانيون متمسكين بوعيهم التاريخي الحضاري، ومعروف أن النسب والعرق يلعبان الدور الأكبر في حياة الفرس الاجتماعية. ولذا لم يتخل الفرس عن عنصريتهم حتى بعد دخولهم الإسلام. وقد حكمهم العرب في بداية الدولة الإسلامية لأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان عربياً، وهذا ذكر في القرآن، وذكر أيضاً أنه انزل بلسان عربي، مما سبب إشكال في الوجدان التاريخي الفارسي. والتاريخ الشعوبي الإسلامي كان في معظمه صراع عربي فارسي. صراع بين شعوب سامية عربية وشعوب آرية فارسية..
هذه الخلفية ضرورية جداً لفهم عقلية الدولة الخمينية الحديثة، وكذلك فهم الموقف الغربي منها، فمنها نفهم تناقض الخمينية الحديثة: فهي من ناحية تدعي الانتساب لآل البيت لتسحب من العرب شرف انتسابهم للنبي، ومن ناحية أخرى تتمسك بآرية الشعب الفارسي بالنظر للعرب كعرق أدنى. مع أنه يستحيل أن يكون النسب الشريف فارسياً. وقد أكد شاه إيران أكثر من مرة على الانتماء الآري لإيران وكون اللغة الفارسية لغة هندو-أوروبية، وهي في الواقع كذلك. واحتفل الشاة بهذا الانتماء في مناسبات باذخة كثيرة احتفى بها بإمبراطورية قوروش وحرص على دعوة الأسر المالكة، والزعامات الأوربية. فصور الشاه الشعب الإيراني كشعب أوروبي يعيش في الشرق الأوسط. وهذا ما لا يفهمه للأسف كثير من الشيعة العرب الذي انساقوا خلف إيران لأسباب مذهبية فقط!!
د.علوي عمر بن فريد