الحبيب الأسود يكتب:

السعودية والإمارات تفتحان باب السباق المشترك

هناك شيء ما مختلف في سياقات التعاون الثنائي بين الدول العربية، تعكسه العلاقات السعودية الإماراتية التي بلغت مرحلة متقدمة من التنسيق التكاملي المنطلق من رؤية إستراتيجية لا تقف عند الآن وهنا، وإنما تتجاوزهما إلى آفاق إقليمية ودولية ومستقبلية شاسعة، بمشروع عربي حضاري حداثي تقدمي واع بكل التحديات ومستعد لتحقيق مختلف الرهانات.

اليوم، وفي ظل سياسة المحاور، وفي وقت تتنافس فيه المشاريع التوسعية الإقليمية لكل من إيران وتركيا وإسرائيل على بسط نفوذها في المنطقة، يبدو المشروع السعودي الإماراتي عنوانا لمرحلة النهوض العربي، واعدا بالتأسيس لمرحلة جديدة في تاريخ العرب، على أسس عملية، ووفق خطط علمية، الهدف منها تشكيل قطب إقليمي ودولي فاعل سياسيا واقتصاديا وثقافيا، وقادر على تحصين الأمن القومي العربي بالتصدي لكل المؤامرات والأطماع الخارجية، وعلى بناء منظومة إستراتيجية بمقاسات القدرة على مواجهة مختلف أشكال التحولات الدولية.

جاءت زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى أبوظبي، الأربعاء، لتؤكد على هذا التوجه الذي جسدته أجواء ومضامين ونتائج الاجتماع الثاني لمجلس التنسيق السعودي ــ الإماراتي بهدف تفعيل محاور التعاون المشترك للتكامل بين البلدين اقتصاديا وتنمويا ومعرفيا وعسكريا، حيث أشار ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد إلى الإنجازات والنتائج الإيجابية الكبيرة التي حققها مجلس التنسيق على أرض الواقع، وإطلاقه خلال الفترة القصيرة الماضية مبادرات نوعية لتحقيق رفاهية شعبي البلدين من خلال 20 مجالا تنمويا مشتركا من بينها الاقتصاد والأمن والتنمية البشرية وغيرها.

وأكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أن اقتصاد البلدين المشترك يحتل المرتبة السادسة عشرة عالميا، ويمكن العمل من أجل أن يصبح من أكبر 10 اقتصادات في العالم، كما تتعدى الاستثمارات الخارجية الإماراتية السعودية حاليا 250 مليار دولار في قطاعات اقتصادية مختلفة وتعد صناديقهما الاستثمارية في المركز الأول عالميا، وأسواقهما المالية تتعدى 720 مليار دولار، مبرزا أن هذا النموذج الفريد من نوعه في التكامل لا يعود بالنفع على الدولتين فقط، بل يقود قاطرة التعاون الخليجي، ويقدم نموذجاً استثنائياً للتعاون العربي – العربي، ويضع البلدين في مكانة متميزة على خارطة التحالفات العالمية.


إن تلك الأرقام والمعطيات التي أوردها ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد في كلمته تقدم صورة واضحة عن مستوى تطلعات البلدين لاحتلال مكانة متقدمة عالميا تصل إلى سباق الدول العشر الأولى، وبالتالي ستكون الأبرز في مستوى المنطقة العربية والشرق الأوسط، وستتزاحم مع الدول المصنعة الأبرز في الغرب وفي جنوب شرق آسيا، لتفرض نفسها كصاحبة قرار سياسي واقتصادي متقدم في العالم.

وتبدو رؤية الشيخ محمد بن زايد كجزء من طموحات بلاده التي تسابق الزمن لتكريس نفسها كواحدة من الدول الصاعدة بمؤشرات يحتل بعضها المرتبة الأولى دوليا، وهي رؤية تتفاعل إيجابيا مع رؤية المملكة وولي عهدها الأمير محمد بن سلمان الذي أكد أن عمق العلاقات بين البلدين انعكس بشكل جلي من خلال انسجام رؤية مجلس التنسيق السعودي – الإماراتي مع الاستراتيجيات الوطنية للبلدين، وتكامل “رؤية المملكة العربية السعودية 2030” و“رؤية الإمارات 2021” اللتين تستهدفان تحقيق الريادة والرخاء الدائمين لشعبيهما الشقيقين، وبناء الأمل وتعزيز التقدم في المنطقة.

في مايو 2016، تم الإعلان عن تأسيس مجلس التنسيق السعودي الإماراتي الذي عقد في يونيو 2018 أولى اجتماعاته تحت مسمى “إستراتيجية العزم”، وتم الإعلان عن 44 مشروعا استراتيجيا سعوديا إماراتيا مشتركا في المجالات الاقتصادية والتنموية والعسكرية، علما وأن المجلس يهدف إلى وضع رؤية مشتركة تعمل على تعميق واستدامة العلاقات بين البلدين وتعزيز المنظومة الاقتصادية المتكاملة بينهما، وإيجاد الحلول المبتكرة للاستغلال الأمثل للموارد الحالية، وبناء منظومة تعليمية فعّالة ومتكاملة قائمة على نقاط القوة التي تتميز بها الدولتان، إلى جانب تعزيز التعاون والتكامل بينهما في المجال السياسي والأمني والعسكري، وضمان التنفيذ الفعال لفرص التعاون والشراكة إضافة إلى إبراز مكانة الدولتين في مجالات الاقتصاد والتنمية البشرية والتكامل السياسي والأمني والعسكري، وتحقيق الرفاه الاجتماعي في البلدين.

وتعتبر إستراتيجية العزم خطوة غير مسبوقة عمل عليها 350 مسؤولا وخبيرا من البلدين ينتمون إلى 139 جهة حكومية وسيادية وعسكرية، بينما حددت قيادتا البلدين خمسة أعوام لتنفيذ المشروعات الإستراتيجية التي تهدف إلى بناء نموذج تكاملي استثنائي بين البلدين من خلال ثلاثة محاور رئيسة تضمن تشبيك المصالح وتوحيد الإمكانات وتحقيق الرقي.

وترتكز رؤية المجلس على خلق نموذج استثنائي للتكامل والتعاون بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة على المستويين الإقليمي والعربي، عبر تنفيذ مشاريع إستراتيجية مشتركة من أجل سعادة ورخاء شعبي البلدين، فيما شُكّلت لجنة تنفيذية لتضمن التنفيذ الفاعل لفرص التعاون والشراكة بين البلدين وأقرت منذ اجتماعها الأخير في أبريل 2019 تفعيل سبع لجان تكاملية تدير وتنظم 20 مجالاً ضمن القطاعات ذات الأولوية، وتتبنى نهجًا استباقيًّا في تقييم الفرص المتاحة للتعاون المشترك بين البلدين.

خلق نموذج استثنائي للتكامل والتعاون بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة
خلق نموذج استثنائي للتكامل والتعاون بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة
وفي الاجتماع الثاني لمجلس التنسيق السعودي الإماراتي تم الاتفاق على جملة مبادرات مهمة هي التعاون بين هيئة السياحة في المملكة ووزارة الاقتصاد بالإمارات على إصدار تأشيرة سياحية مشتركة للمقيمين في البلدين عند الوصول، وتسهيل انسياب الحركة في المنافذ التي من شأنها تعزيز التعاون الجمركي بين البلدين، وتوثيق العمل بين الدولتين في الأمن الغذائي حيث سيتم التعاون لتوفير غذاء آمن ومستدام بأسعار مناسبة للجميع وفي الظروف كافة، وتفعيل اتفاقية الأمن السيبراني، والتي تهدف إلى دعم توفير فضاء سيبراني موثوق لكل بلد يمكن من خلاله تقديم خدمات وتعاملات إلكترونية آمنة.

كما يسعى البلدان إلى إصدار عملة رقمية إلكترونية بشكل تجريبي بهدف فهم ودراسة أبعاد التقنيات الحديثة وجدواها في تعزيز الاستقرار المالي، وبناء مصفاة لتكرير النفط الخام بطاقة 1.2 مليون برميل في اليوم مع مجمع حديث للبتروكيماويات بتكلفة 70 مليار دولار غرب الهند، وإنشاء مجلس الشباب السعودي الإماراتي تعزيزًا للشراكة بين الشباب في البلدين وتمكينا له من المشاركة في وضع التصورات التنموية المستقبلية.

إن من ينظر مليا في هذه المبادرات يدرك أنها ترتبط بسعي مشترك للانطلاق حالا نحو منظومة اتحادية متقدمة بأبعاد مرتبطة أساسا بالثقة المتبادلة أمنيا وإستراتيجيا وسياسيا واجتماعيا وبالرغبة في مواجهة التحديات الاقتصادية الكبرى بجهد الفريق الواحد، وبالعمل المشترك لضمان رفاه الشعبين وتحقيق طموحات الأجيال الصاعدة، وتوجيه رسالة إلى الإقليم والعالم بأن مسارات أي تفاهمات ستمر عبر منظومة التنسيق بين أبوظبي والرياض بما يمثلانه من ثقل سياسي واقتصادي وثقافي وتنموي.

مثلت زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى الإمارات عشية الاحتفال بالعيد الوطني الـ48 مناسبة مهمة للتأكيد على أن النهر أسس مجراه وأن التنسيق بين البلدين عرف طريقه، وأن العلاقات السعودية الإماراتية أصلب وأقوى مما يعتقد محترفو التشكيك، وأن التحالف بين البلدين ليس وليد حالة أو حادثة أو قضية أو تحدّ بعينه، وإنما هو خيار مبني على تجاوب عملي وعقلاني ورؤيوي وانسجام فكري وإستراتيجي بين قيادتي البلدين اللذين يمثلان حاليا روح التطلع في مسارات الإصلاح العربي على جميع الصعد.

كما جاءت الزيارة قبيل أسابيع من الولوج إلى عام 2020 الذي وصفه الأمير محمد بن سلمان بعام الإنجازات الدولية، قائلا “نحن على أعتاب احتضان فعاليات دولية كبيرة وصلنا إليها بعد تخطيط وعمل وجهد متواصل، فرئاسة المملكة العربية السعودية لمجموعة العشرين خلال عام 2020 واحتضان دولة الإمارات العربية المتحدة لمعرض إكسبو 2020 هما خير دليل على ما تحظيان به من مكانة دولية مرموقة”، مقدما الدعوة إلى دولة الإمارات لتحل ضيف شرف على قمة مجموعة العشرين المقبلة التي تتولى المملكة رئاستها.