فاروق يوسف يكتب:

الرسم يتغير في البحرين

هناك حساسية جديدة في الرسم في البحرين يتبعها جيل جديد طالع من تجربة حياة مختلفة. لم تعد الحياة التي رسمها حسين قاسم السني وعبدالكريم العريض وناصر اليوسف وراشد العريفي موجودة في المشهد اليومي.

كل شيء تغير. كل ما رأيناه في اللوحات لم يعد له مكان في الواقع. البحرين الجديدة لا تمت بصلة إلى بحرين الغوص بحثا عن اللؤلؤ والاتجار به. هناك بحرين يمكن التعرف عليها بعيدا عن مراكب الصيادين وأسواق السمك.

المنامة مدينة حديثة. فاجأتني موظفة الاستقبال بأن غرفتي تقع في الطابق الخامس والعشرين، فطلبت منها أن تهبط بي إلى طبقة أقل علوا لأني أعاني من خوف الأماكن المرتفعة.

لم يكن في إمكاني أن أتقدّم بالطلب نفسه إلى الرسامين جعفر العريبي وعلي حسين ميرزا، كونهما ارتفعا على السوق والبيئة المحلية والبحر والمراكب والصيادين والمدينة القديمة.

يرسم الرسامان بتأثير مباشر من حياة جديدة جلبت رموزا وكائنات وإشارات ليست مستلهمة من الواقع المباشر ولا صلة لها بما يجري علانية من حولهما.

كان ذلك الانفصال قد بدأ مع جيل سبق جيلهما مثله الشيخ راشد آل خليفة وبلقيس فخرو وعباس يوسف وإبراهيم بوسعد وعبدالرحيم شريف وجبار الغضبان.

ما يميز العريبي وميرزا أنهما اختارا المضي بتجربة الانفصال عن المحلي إلى أقصاها. وهما في ذلك إنما يسعيان إلى التأكد من قدرتهما على الاتصال بالعالم الخارجي عن طريق تحدي المرئيات المباشرة والقفز إلى المعاني الخفية لعملية التحديث التي يشهدها المجتمع. يستعير الرسامان موضوعاتهما من مؤثرات ثقافية صارت بمثابة عنصر ارتباط بالعصر الحديث.

هناك عصر آخر للرسم. ما تقوله اللوحات لا تقوله الحياة المباشرة. سيكون على المتلقي أن ينتقل معهما إلى مكان آخر. مكان يكون فيه القبول بالحياة الجديدة ممكنا.

وهي حياة لا تسمى مجهولا بقدر ما تنتسب إلى عالم يتم استحضاره من الغيب. هناك حيث تمتزج الأحلام بالأساطير وتكون الموضوعات المرسومة بمثابة نبوءات.